الانزلاق الغضروفي: الأسباب والأعراض والعلاج
يعاني كثيرون من مشكلة الانزلاق الغضروفي لفقرة أو عدة فقرات من العمود الفقري، وهناك العديد من حالات الانزلاق الغضروفي ولكل منها أسبابها وأعراضها وعلاجها، ولكن قبل أن نتحدث عن الآلية التي يحدث بها انزلاق القرص الغضروفي أو انفتاق النواة اللبية المسبب للديسك، سنستعرض معاً بشكل مبسط بنية العمود الفقري في جسم الإنسان.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
بنية العمود الفقري
العمود الفقري (بالإنجليزية: Vertebral Column) هو بنية عظمية تحيط بالنخاع الشوكي (حبل أبيض رفيع ينقل الأوامر العصبية من الدماغ إلى العضلات والعكس)، ويحمي العمود الفقري النخاع الشوكي من الرضوض، ويقوم بدور الداعم لوزن الجسم وحركته.
ويتركب العمود الفقري من 33 فقرة تقسم بحسب مكانها، وبالتالي من أعلى إلى أسفل (7 فقرات رقبية، 12 فقرة ظهرية، 5 فقرات قطنية، 4 فقرات عجزيات، 5 فقرات عصعصية ملتحمة مع بعضها بعضاً). [1]
الفقرات هي قطع عظمية صغيرة تتراكب فوق بعضها، تاركة بين كل فقرتين متتاليتين مسافة فاصلة صغيرة يشغلها قرص غضروفي، وعلى مستوى هذا القرص يحدث الانزلاق الغضروفي بين الفقرات.
إذ يمكن للقرص أن ينزاح إلى خارج المسافة الحاوية له، ضاغطاً بذلك على منشأ الأعصاب الشوكية (الأعصاب التي تخرج من الحبل الشوكي على طول مسيره داخل العمود الفقري)، ومسبباً الألم والأعراض العصبية الأخرى. [1]
أسباب الانزلاق الغضروفي
قد يبدو للبعض أن إصابتهم بالانزلاق الغضروفي (الديسك) قد حدثت بشكل مفاجئ، إلا أن هذا ليس صحيحاً، فأغلبية الحالات يحدث فيها الانزلاق الغضروفي بشكل تدريجي، نظراً للرض المتكرر على منطقة ما من العمود الفقري.
وتشكل بعض العوامل سبباً مباشراً للإصابة بالانزلاق الغضروفي أو تكون عاملاً مساعداً على حدوثه، منها ما يتعلق بطبيعة الجسم، ومنها ما يتعلق بظروف الحياة التي يعيشها الشخص، وهي كالآتي: [2]
- العمر: يبلغ احتمال حدوث انفتاق الديسك ذروته في المرحلة العمرية ما بين 35-50 سنة، وهي الفترة التي يكون فيها الشخص نشطاً جسدياً، ويتراجع بعدها احتمال الإصابة لتصبح نادرة عند الأعمار فوق الثمانين أو دون أية أعراض إن حدثت.
- الجنس: يُصاب الرجال بانفتاق النواة اللبية أكثر من النساء بمرتين، بسبب ممارستهم للأعمال المجهدة جسدياً أكثر من النساء.
- العمل المجهد: الأشخاص الذين تتطلب وظائفهم رفع الأجسام الثقيلة، وسحبها أو تحريكها من مكان إلى آخر بشكل متكرر، تسبب لهم رضَّاً وضغطاً على الأقراص بين الفقرات، مما يؤهب لانزلاقها.
- الإصابة بالبدانة: يقوم العمود الفقري بمهمة حمل وزن الجسم؛ لذلك فإن الوزن الزائد يزيد من الضغط على الفقرات والأقراص التي بينها، وبالتالي يزيد من احتمال انزلاق الأقراص الغضروفية، بالإضافة إلى ذلك، تلعب البدانة دوراً مهماً في حدوث النكس للقرص ذاته، بعد إجراء العمليات الجراحية التي تزيل جزءاً من القرص المنزلق.
- عادة التدخين: يقوم النيكوتين الموجود في دخان السجائر بالتقليل من جريان الدم إلى الأقراص الغضروفية بين الفقرات، الأمر الذي يحرم القرص من التغذية اللازمة لتجديده وترميمه من قبل الجسم، وهذا يجعله هشاً وأقل مرونة من اللازم؛ وبالتالي أكثر قابلية للتصدع والانزلاق نحو الخارج.
- العامل الوراثي: يملك بعض الأشخاص ميلاً وراثياً للإصابة بالتآكل في القرص الغضروفي بين الفقرات، وبالتالي تزداد احتمالية انزلاق القرص، ويُلاحظ هذا الدور المهم للعامل الوراثي في الحالات التي تكثر فيها الإصابة بالديسك في أفراد عائلة ما.
أعراض الانزلاق الغضروفي
تختلف أعراض انزلاق القرص الغضروفي أو الديسك بحسب المنطقة المصابة من النخاع الشوكي (رقبية، ظهرية، قطنية...)، وذلك بسبب اختلاف العصب المنضغط بالقرص المنزاح أو المنزلق بحسب كل منطقة.
وتعد أكثر المناطق تعرضاً للإصابة هي الفقرات القطنية وتليها الفقرات الرقبية، وسنتحدث أولاً عن أعراض الإصابة بانزلاق القرص الغضروفي للفقرات القطنية من العمود الفقري.
إذ إنه يحدث في 90% من الحالات في القرص الفاصل بين الفقرتين القطنيتين الرابعة والخامسة، والقرص الفاصل بين الفقرة القطنية الخامسة والفقرة العجزية الأولى، وهي المناطق التي تخرج منها الأعصاب إلى الطرف السفلي والحوض والأحشاء.
وتتضمن أعراض الانزلاق الغضروفي للفقرات القطنية ما يأتي: [3]
أعراض إصابة القرص الغضروفي الفاصل بين القطنيتين الرابعة والخامسة
هذا يؤدي إلى انضغاط العصب القطني الخامس؛ مما ينجم عنه ألم وخدر في أحد الطرفين السفليين يمتد حتى ظهر القدم، ومن صفات الألم أنه يزداد سوءاً بعد الوقوف أو الجلوس لفترة مطولة أو القيام بالحركات العنيفة.
مع صعوبة في رفع الإصبع الكبير للقدم، وأحياناً صعوبة في رفع الكاحل وهذا ما يعرف بـ(هبوط القدم)، حيث يحدث هبوط القدم في المراحل المتقدمة من الإصابة التي أُهمل تشخيصها أو علاجها.
إصابة القرص الغضروفي بين الفقرة القطنية الخامسة والعجزية الأولى
يشعر الشخص بألم وخدر في أحد الطرفين السفليين يمتد إلى أخمص القدم، بالإضافة إلى عدم القدرة على الوقوف على رؤوس الأصابع.
أما عند إصابة الأقراص الغضروفية للفقرات الرقبية، التي تخرج من بينها الأعصاب إلى عضلات الطرف العلوي، فتظهر الأعراض الآتية: [3]
إصابة القرص الغضروفي بين الفقرتين الرقبيتين الرابعة والخامسة
ينتج عن هذه الإصابة ألم في الكتف دون خدر أو تنميل، بالإضافة إلى الضعف في العضلة الدالية (بالإنجليزية: Deltoid Muscle) وهي عضلة كبيرة تقع عند أسفل الكتف وأعلى الذراع، مهمتها إبعاد الذراع عن الجذع.
إصابة القرص الغضروفي بين الفقرتين الرقبيتين الخامسة والسادسة
وهي أكثر إصابات الفقرات الرقبية شيوعاً، ينتج عنها ألم وخدر في الذراع يمتد إلى حافة اليد ومنها إلى الإبهام، يرافقها ضعف في العضلة ثنائية الرؤوس (بالإنجليزية: Biceps Muscle) (وهي العضلة الموجودة في الجزء الأمامي العلوي للذراع ومهمتها ثني مفصل المرفق)، وأحياناً ضعف في العضلات الباسطة للذراع.
إصابة القرص الغضروفي بين الفقرتين الرقبيتين السادسة والسابعة
ينتج عن إصابة هذا القرص انضغاط العصب السابع عند منطقة خروجه من بين الفقرتين، وهذا بدوره يؤدي إلى الألم والضعف في العضلة ثلاثية الرؤوس (بالإنجليزية: Triceps Muscle) (وهي العضلة الموجودة في القسم الخلفي من الذراع وتبسط مفصل المرفق)، وأيضاً يسبب ضعفاً في العضلات الباسطة لأصابع اليد.
كيفية تشخيص الانزلاق الغضروفي
عندما يشكو المريض من الأعراض العصبية التي ذكرناها سابقاً (الألم والخدر والضعف العضلي)، فإن هذا يدفع الطبيب المختص للشك بوجود انزلاق في واحد أو أكثر من الأقراص الغضروفية، بحسب نمط الأعراض ومناطق انتشار الألم، فيطلب عندها إجراء بعض الفحوصات لتأكيد التشخيص، ومن أهم هذه الفحوصات ما يأتي: [4]
- التصوير بالأشعة السينية (X-Ray): لا يفيد هذا النمط من التصوير في إظهار الانزلاق الغضروفي، لكن قد يطلبه الطبيب في بعض الحالات لاستبعاد الأسباب المحتملة الأخرى التي قد تسبب أعراضاً مشابهة، مثل: الأورام، والكسور، والالتهابات.
- التصوير بالأشعة المقطعية (CT Scan): تقتصر فائدة هذا النمط من التصوير على الحالات التي يحدث فيها انزلاق للقرص الغضروفي نحو الخلف فقط، أما في الحالات الأخرى فهو غير حاسم في التشخيص.
- التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI): هو الوسيلة الأدق والأمثل لتشخيص جميع الحالات، وهو الأكثر استخداماً في الوقت الحاضر.
علاج الانزلاق الغضروفي
يختلف الأسلوب العلاجي الذي ينصح به الطبيب بحسب الغاية من العلاج، فبعض العلاجات تهدف فقط إلى تسكين الألم وبعضها يسعى لتحسين الأعراض العصبية والضعف الموجود في العضلات، لكن يمكن جمع أغلب هذه العلاجات في نمطين يتمثلان فيما يأتي: [4]
العلاج التحفظي للانزلاق الغضروفي
ينصح بالعلاج التحفظي كخطوة أولى لدى أغلب المرضى الذين يُشخص لهم انزلاق في أحد الأقراص الغضروفية قبل أي تفكير بالتداخل الجراحي، باستثناء الحالات المتقدمة والحرجة التي تستدعي التدخل الجراحي الفوري لمنع تدهور أذية العصب.
وكمثال عليها متلازمة ذيل الفرس التي يلاحظ فيها ضعف وضمور متقدم في عضلات الطرف السفلي مترافق أحياناً مع اضطراب في وظيفة المثانة والأمعاء، ويرتكز هذا النمط من العلاج على منع الانزلاق من التفاقم وتخفيف حدة الأعراض الحالية (أي الحصول على فترة هجوع للأعراض العصبية).
يتم ذلك عن طريق الراحة المطلقة في الفراش لمدة تتراوح بين 4-6 أسابيع، مع وصف الأدوية المسكنة للألم، مثل: مضادات الالتهاب غير الستيروئيدية، والمسكنات القوية في الحالات الشديدة.
وقد يتم اللجوء في بعض الحالات إلى العلاج الفيزيائي المستمر بعد مضي 6 أسابيع، وهو ذو فائدة مهمة في تقوية العضلات، وتخفيف التشنج الحاصل فيها، وتسكين الألم، بالإضافة إلى دوره في تعليم المريض طرقاً أكثر أماناً لتأدية الحركات التي قد تجعل حالته أكثر سوءاً، مثل: المشي ورفع الأجسام الثقيلة.
العلاج الجراحي للانزلاق الغضروفي
يتم اللجوء إلى العلاج الجراحي للانزلاق الغضروفي في الحالات الآتية: [4]
- إذا كان الألم الناتج عن انضغاط العصب بالقرص المنزلق شديداً، ويعيق المريض من ممارسة نشاطاته وأعماله اليومية، مثل: الوقوف أو المشي.
- إذا أصبح المريض يشكو من تدهور مستمر في القوة العضلية للطرف العلوي أو السفلي، أو شعوره بالخدر والتنميل المستمر.
- ذكرنا أن الأعصاب الخارجة من المنطقة القطنية تتحكم بمنطقة الحوض والطرف السفلي، لذلك عند الانضغاط الشديد لهذه الأعصاب قد تتأثر وظيفة الأمعاء والمثانة، وهذا دافع مهم للعمل الجراحي بهدف منع تدهور الحالة.
- فشل جميع العلاجات التحفظية (الراحة، والأدوية، والعلاج الفيزيائي) في تحسين الأعراض بشكل فعّال.
ختاماً، على الرغم من شيوع الإصابة بانزلاق الأقراص الغضروفية لفقرات العمود الفقري، فإن هذا لا يجعلها أمراً بسيطاً، ففي كثير من الحالات المهملة يتطور الأمر إلى أذية دائمة غير قابلة للعكس للأعصاب المنضغطة، وقد تصل إلى فقدان كامل لوظيفة الطرف وعجز دائم، لذلك عند ملاحظتك لأي من الأعراض السابقة، راجع طبيبك من أجل الحصول على تشخيص مبكر لإصابتك، لتتجنب العلاج الجراحي ومخاطره والمضاعفات الدائمة لإهمال الأعراض.