أجمل قصائد نزار قباني
نزار بن توفيق القباني (1923 - 1998) هو شاعر ودبلوماسي سوري معاصر، من أسرة عربية دمشقية عريقة، وقد درس الحقوق في الجامعة السورية وفور تخرجه منها انخرط في السلك الدبلوماسي متنقلًا بين عواصم مختلفة إلى أن قدّم استقالته عام 1966، أصدر ديوانه الأول عام 1944 وبعنوان «قالت لي السمراء» وتابع عملية التأليف والنشر التي بلغت 35 ديوانًا أبرزها «طفولة نهد» و«الرسم بالكلمات»، وقد أسس دار نشر لأعماله في بيروت باسم «منشورات نزار قباني».
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
وقد كان لدمشق وبيروت حيز خاص في أشعاره لعل أبرزهما «القصيدة الدمشقية» و«يا ست الدنيا يا بيروت». أحدثت حرب 1967 والتي أسماها العرب «النكسة» مفترقًا حاسمًا في تجربته الشعرية والأدبية، إذ أخرجته من نمطه التقليدي بوصفه «شاعر الحب والمرأة» لتدخله معترك السياسة، وقد أثارت قصيدته «هوامش على دفتر النكسة» عاصفة في الوطن العربي وصلت إلى حد منع أشعاره في وسائل الإعلام.
عرف قباني مآسي عديدة في حياته، كمقتل زوجته بلقيس خلال تفجيرٍ انتحاري استهدف السفارة العراقية في بيروت، وأيضاً وفاة ابنه توفيق الذي رثاه في قصيدته «الأمير الخرافي توفيق قباني»، قد عاش سنواته الأخيرة مقيمًا في لندن حيث مال أكثر نحو الشعر السياسي ومن أشهر قصائده الأخيرة «متى يعلنون وفاة العرب؟»، وقد توفي ودفن في مسقط رأسه دمشق. [1]
قصيدة حب بلا حدود
يا سيدتي:
كنت أهم امرأةٍ في تاريخي
قبل رحيل العام.
أنت الآن.. أهم امرأةٍ
بعد ولادة هذا العام..
أنت امرأةٌ لا أحسبها بالساعات وبالأيام.
أنت امرأةٌ..
صنعت من فاكهة الشعر..
ومن ذهب الأحلام..
أنت امرأةٌ.. كانت تسكن جسدي
قبل ملايين الأعوام..
يا سيدتي:
يالمغزولة من قطنٍ وغمام.
يا أمطاراً من ياقوتٍ..
يا أنهاراً من نهوندٍ..
يا غابات رخام..
يا من تسبح كالأسماك بماء القلب..
وتسكن في العينين كسرب حمام.
لن يتغير شيءٌ في عاطفتي..
في إحساسي..
في وجداني.. في إيماني..
فأنا سوف أظل على دين الإسلام..
يا سيدتي:
لا تهتمي في إيقاع الوقت وأسماء السنوات.
أنت امرأةٌ تبقى امرأةً.. في كل الأوقات.
سوف أحبك..
عند دخول القرن الواحد والعشرين..
وعند دخول القرن الخامس والعشرين..
وعند دخول القرن التاسع والعشرين..
و سوف أحبك..
حين تجف مياه البحر..
وتحترق الغابات..
يا سيدتي:
أنت خلاصة كل الشعر..
ووردة كل الحريات.
يكفي أن أتهجى إسمك..
حتى أصبح ملك الشعر..
وفرعون الكلمات..
يكفي أن تعشقني امرأةٌ مثلك..
حتى أدخل في كتب التاريخ..
وترفع من أجلي الرايات..
يا سيدتي
لا تضطربي مثل الطائر في زمن الأعياد.
لن يتغير شيءٌ مني.
لن يتوقف نهر الحب عن الجريان.
لن يتوقف نبض القلب عن الخفقان.
لن يتوقف حجل الشعر عن الطيران.
حين يكون الحب كبيراً..
والمحبوبة قمراً..
لن يتحول هذا الحب
لحزمة قشٍ تأكلها النيران...
يا سيدتي:
ليس هنالك شيءٌ يملأ عيني
لا الأضواء..
ولا الزينات..
ولا أجراس العيد..
ولا شجر الميلاد.
لا يعني لي الشارع شيئاً.
لا تعني لي الحانة شيئاً.
لا يعنيني أي كلامٍ
يكتب فوق بطاقات الأعياد. [2]
قصيدة أحزان في الأندلس
كتبتِ لي يا غالية...
كتبتِ تسألينَ عن إسبانية
عن طارقٍ، يفتحُ باسم الله دنيا ثانية...
عن عقبة بن نافعٍ
يزرع شتلَ نخلةٍ...
في قلبِ كلِّ رابية...
سألتِ عن أميةٍ...
سألتِ عن أميرها معاوية...
عن السرايا الزاهية
تحملُ من دمشقَ... في ركابِها
حضارةً وعافية...
لم يبقَ في إسبانية
منّا، ومن عصورنا الثمانية
غيرُ الذي يبقى من الخمرِ،
بجوف الآنية...
وأعينٍ كبيرةٍ... كبيرةٍ
ما زال في سوادها ينامُ ليلُ البادية...
لم يبقَ من قرطبةٍ
سوى دموعُ المئذناتِ الباكية
سوى عبيرِ الورود، والنارنج والأضالية...
لم يبق من ولاّدةٍ ومن حكايا حُبها...
قافيةٌ ولا بقايا قافية...
لم يبقَ من غرناطةٍ
ومن بني الأحمر... إلا ما يقول الراوية
وغيرُ "لا غالبَ إلا الله"
تلقاك في كلِّ زاوية...
لم يبقَ إلا قصرُهم
كامرأةٍ من الرخام عارية...
تعيشُ –لا زالت- على
قصَّةِ حُبٍّ ماضية...
مضت قرونٌ خمسةٌ
مذ رحلَ "الخليفةُ الصغيرُ" عن إسبانية
ولم تزل أحقادنا الصغيرة...
كما هي...
ولم تزل عقليةُ العشيرة
في دمنا كما هي
حوارُنا اليوميُّ بالخناجرِ...
أفكارُنا أشبهُ بالأظافرِ
مَضت قرونٌ خمسةٌ
ولا تزال لفظةُ العروبة...
كزهرةٍ حزينةٍ في آنية...
كطفلةٍ جائعةٍ وعارية
نصلبُها على جدارِ الحقدِ والكراهية
مَضت قرونٌ خمسةُ... يا غالية
كأننا... نخرجُ هذا اليومَ من إسبانية [3]
قصيدة بلادي
من لثغة الشحرور
من بحة نايٍ محزنة
من رجفة الموال
من تنهدات المئذنة
من غيمةٍ تحبكها
عند الغروب المدخنة
المدخنة ميد القرى
المنشورة المزينة ..
من وشوشات نجمةٍ
في شرقنا مستوطنة
من قصة تدور
بين وردةٍ .. وسوسنه
ومن شذا فلاحةٍ
تعبق منها (الميجنه)
ومن لهاث حاطبٍ
عاد بفأسٍ موهنه
جبالنا .. مروحةٌ
للشرق .. غرقى ، لينه
توزع الخير على الدنيا
ذرانا المحسنة
يطيب للعصفور أن
يبني لدينا مسكنه
ويغزل الصفصاف
في حضن السواقي موطنه
حدودنا بالياسمين
والندى محصنه
ووردنا مفتحٌ
كالفكر الملونة
وعندنا الصخور تهوى
والدوالي مدمنه
وإن غضبنا .. نزرع
الشمس سيوفاً مؤمنه
بلادنا كانت .. وكانت
بعد هذا الأزمنة [4]
قصيدة 5 دقائق
اجلسي خمس دقائق
لا يريد الشعر كي يسقط كالدرويش
في الغيبوبة الكبرى
سوى خمس دقائق
لا يريد الشعر كي يثقب لحم الورق العاري
سوى خمس دقائق
فاعشقيني لدقائق
واختفي عن ناظري بعد دقائق
لست أحتاج إلى أكثر من علبة كبريتٍ
لإشعال ملايين الحرائق
إن أقوى قصص الحب التي أعرفها
لم تدم أكثر من خمس دقائق [5]