أبيات شعر عن الوطن لأحمد شوقي
أحمد شوقي (1868-1932)، كاتب وشاعر مصري يعد من أعظم شعراء العربية في العصور الحديثة، يلقب بـ «أمير الشعراء»، ولد بالقاهرة، أظهر نبوغًا واضحًا، وانكب على دواوين فحول الشعراء حفظًا واستظهارًا، فبدأ الشعر يجري على لسانه.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
نفاه الإنجليز إلى إسبانيا عام 1915، وهناك اطلع أحمد شوقي على الأدب العربي والحضارة الأندلسية، وبقي على علم بالأوضاع التي تجري في مصر، وعاد إليها سنة 1920. [1]
قصيدة سَكَنَ الزَمانُ
سَكَنَ الزَمانُ وَلانَتِ الأَقدارُ
وَلِكُلِّ أَمرٍ غايَةٌ وَقَرارُ
أَرخى الأَعِنَّةَ لِلخُطوبِ وَرَدَّها
فَلَكٌ بِكُلِّ فُجاءَةٍ دَوّارُ
يَجري بِأَمرٍ أَو يَدورُ بِضِدِّهِ
لا النَقضُ يُعجِزُهُ وَلا الإِمرارُ
هَل آذَنَتنا الحادِثاتُ بِهُدنَةٍ
وَهَل اِستَجابَ فَسالَمَ المِقدارُ
سُدِلَ السِتارُ وَهَل شَهِدتَ رِوايَةً
لَم يَعتَرِضها في الفُصولِ سِتارُ
وَجَرَت فَما اِستَولَت عَلى الأَمَدِ المُنى
وَعَدَت فَما حَوَتِ المَدى الأَوطارُ
دونَ الجَلاءِ وَدونَ يانِعِ وَردِهِ
خُطُواتُ شَعبٍ في القَتادِ تُسارُ
وَبِناءُ أَخلاقٍ عَلَيهِ مِنَ النُهى
سُوَرٌ وَمِن عِلمِ الزَمانِ إِطارُ
وَحَضارَةٌ مِن مَنطِقِ الوادي لَها
أَصلٌ وَمِن أَدَبِ البِلادِ نِجارُ
أَعمى هَوى الوَطَنِ العَزيزِ عِصابَةٌ
مُستَهتِرينَ إِلى الجَرائِمِ ساروا
يا سوءَ سُنَّتِهِم وَقُبحَ غُلُوِّهِم
إِنَّ العَقائِدَ بِالغُلُوِّ تُضارُ
وَالحَقُّ أَرفَعُ مِلَّةً وَقَضِيَّةً
مِن أَن يَكونَ رَسولُهُ الإِضرارُ
أُخِذَت بِذَنبِهِمُ البِلادُ وَأُمَّةٌ
بِالريفِ ما يَدرونَ ما السِردارُ
في فِتنَةٍ خُلِطَ البَريءُ بِغَيرِهِ
فيها وَلُطِّخَ بِالدَمِ الأَبرارُ
لَقِيَ الرِجالُ الحادِثاتِ بِصَبرِهِم
حَتّى اِنجَلَت غُمَمٌ لَها وَغِمارُ
لانوا لَها في شِدَّةٍ وَصَلابَةٍ
لَينَ الحَديدِ مَشَت عَلَيهِ النارُ
الحَقُّ أَبلَجُ وَالكِنانَةُ حُرَّةٌ
وَالعِزُّ لِلدُستورِ وَالإِكبارُ
الأَمرُ شورى لا يَعيثُ مُسَلَّطٌ
فيهِ وَلا يَطغى بِهِ جَبّارُ
إِنَّ العِنايَةَ لِلبِلادِ تَخَيَّرَت
وَالخَيرُ ما تَقضي وَما تَختارُ
عَهدٌ مِنَ الشورى الظَليلَةِ نُضِّرَت
آصالُهُ وَاِخضَلَّتِ الأَسحارُ
تَجني البِلادُ بِهِ ثِمارَ جُهودِها
وَلِكُلِّ جُهدٍ في الحَياةِ ثِمارُ
بُنيانُ آباءٍ مَشَوا بِسِلاحِهِم
وَبَنينَ لَم يَجِدوا السِلاحَ فَثاروا
فيهِ مِنَ التَلِّ المُدَرَّجِ حائِطٌ
وَمِنَ المَشانِقِ وَالسُجونِ جِدارُ
أَبَتِ التَقَيُّدَ بِالهَوى وَتَقَيَّدَت
بِالحَقِّ أَو بِالواجِبِ الأَحرارُ
في مَجلِسٍ لا مالُ مِصرَ غَنيمَةٌ
فيهِ وَلا سُلطانُ مِصرَ صِغارُ
ما لِلرِجالِ سِوى المَراشِدَ مَنهَجٌ
فيهِ وَلا غَيرَ الصَلاحِ شِعارُ
يَتَعاوَنونَ كَأَهلِ دارٍ زُلزِلَت
حَتّى تَقَرَّ وَتَطمَئِنَّ الدارُ
يُجرونَ بِالرِفقِ الأُمورَ وَفُلكَها
وَالريحُ دونَ الفُلكِ وَالإِعصارُ
وَمَعَ المُجَدِّدِ بِالأَناةِ سَلامَةٌ
وَمَعَ المُجَدِّدِ بِالجِماحِ عِثارُ
الأُمَّةُ اِئتَلَفَت وَرَصَّ بِناءَها
بانٍ زَعامَتُهُ هُدىً وَمَنارُ
أَسَدٌ وَراءَ السِنِّ مَعقودُ الحُبا
يَأبى وَيَغضَبُ لِلشَرى وَيَغارُ
كَهفُ القَضِيَّةِ لا تَنامُ نُيوبُهُ
عَنها وَلا تَتَناعَسُ الأَظفارُ
يَومَ الخَميسِ وَراءَ فَجرِكَ لِلهُدى
صُبحٌ وَلِلحَقِّ المُبينِ نَهارُ
ما أَنتَ إِلّا فارِسِيٌّ لَيلُهُ
عُرسٌ وَصَدرُ نَهارِهِ إِعذارُ
بَكَرَت تُزاحِمُ مِهرَجانِكَ أُمَّةٌ
وَتَلَفَّتَت خَلفَ الزِحامِ دِيارُ
وَرَوى مَواكِبَكَ الزَمانُ لِأَهلِهِ
وَتَنَقَّلَت بِجَلالِها الأَخبارُ
أَقبَلتَ بِالدُستورِ أَبلَجَ زاهِراً
يَفتَنُّ في قَسَماتِهِ النُظّارُ
وَذُؤابَةُ الدُنيا تَرِفُّ حَداثَةً
عَن جانِبَيهِ وَلِلزَمانِ عِذارُ
يَحمي لَفائِفَهُ وَيَحرُسُ مَهدَهُ
شَيخٌ يَذودُ وَفِتيَةٌ أَنصارُ
وَكَأَنَّهُ عيسى الهُدى في مَهدِهِ
وَكَأَنَّ سَعداً يوسُفُ النَجّارُ
التاجُ فُصِّلَ في سَمائِكَ بِالضُحى
مِنكَ الحِلى وَمِنَ الضُحى الأَنوارُ
يَكسو مِنَ الدُستورِ هامَةَ رَبِّهِ
ما لَيسَ يَكسو الفاتِحينَ الغارُ
بِالحَقِّ يَفتَحُ كُلُّ هادٍ مُصلِحٍ
ما لَيسَ يَفتَحُ بِالقَنا المِغوارُ
وَطَني لَدَيكَ وَأَنتَ سَمحٌ مُفضِلٌ
تُنسى الذُنوبُ وَتُذكَرُ الأَعذارُ
تابَ الزَمانُ إِلَيكَ مِن هَفَواتِهِ
بِوَزارَةٍ تُمحى بِها الأَوزارُ [2]
قصيدة لك كالمعابد روعة قدسية
لك كالمعابد روعة قدسية
وعليك روحانية العباد
أسست من أحلامهم بقواعد
ورفعت من أخلاقهم بعماد
تلك الرمال بجانبيك بقية
من نعمة وسماحة ورماد
إن نحن أكرمنا النزيل حيالها
فالضيف عندك موضع الإرفاد
هذا الأمين بحائطيك مطوفا
متقدم الحجاج والوفاد
إن يعده منك الخلود فشعره
باق وليس بيانه لنفاد
قم قبل الأحجار والأيدي التي
أخذت لها عهدا من الآباد
وخذ النبوغ عن الكنانة إنها
مهد الشموس ومسقط الآراد [3]
قصيدة يا ثَرى النيلِ
يا ثَرى النيلِ في نَواحيكَ طَيرٌ
كانَ دُنيا وَكانَ فَرحَةَ جيلِ
لَم يَزَل يَنزِلُ الخَمائِلَ حَتّى
حَلَّ في رَبوَةٍ عَلى سَلسَبيلِ
أَقعَدَ الرَوضَ في الحَياةِ مَلِيّاً
وَأَقامَ الرُبى بِسِحرِ الهَديلِ
يا لِواءَ الغِناءِ في دَولَةِ الفَنن
إِلَيكَ اِتَّجَهتُ بِالإِكليلِ
عَبقَرِيّاً كَأَنَّهُ زَنبَقُ الخُلد
عَلى فَرعِهِ السَرِيِّ الأَسيلِ
أَينَ مِن مَسمَعِ الزَمانِ أَغانِي
عَلَيهِنَّ رَوعَةُ التَمثيلِ
أَينَ صَوتٌ كَأَنَّهُ رَنَّةُ البُلبُل
في الناعِمِ الوَريفِ الظَليلِ
فيهِ مِن نَغمَةِ المَزاميرِ مَعنىً
وَعَلَيهِ قَداسَةُ التَرتيلِ
كُلَّما رَنَّ في المَسارِحِ إِن كُنت
اِنثَنى بِالهُتافِ وَالتَهليلِ
كَعِتابِ الحَبيبِ في أُذُنِ الصَبب
وَهَمسِ النَديمِ حَولَ الشَمولِ
كَيفَ إِخوانُنا هُناكَ عَلى الكَوثر
بَينَ الصَبا وَبَينَ القَبولِ
كَيفَ في الخُلدِ ضَربُ أَحمَدَ بِالعود
وَنَفخُ الأَمينِ في الأَرغولِ
فَرَحٌ كُلُّهُ النَعيمُ وَعُرسٌ
كَيفَ عُثمانُ فيهِ كَيفَ الحَمولي
فَهَنيئاً لَكُم وَنِعمَةُ بالٍ
اِستَرَحتُم مِن ظِلِّ كُلِّ ثَقيلِ
إِنَّما مَنزِلٌ رُفاتُكَ فيهِ
لَبَقايا مِن كُلِّ فَنٍّ جَميلِ
ذَبُلَت في ثَراهُ رَيحانَةُ الفَنن
وَجَفَّت رَيحانَةُ التَمثيلِ
قامَ يَجزي سَلامَةً في ثَراهُ
وَطَنٌ بِالجَزاءِ غَيرُ بَخيلِ
قَد يوفي البِناءَ وَالغَرسَ أَجراً
وَيُكافي عَلى الصَنيعِ الجَليلِ
مُحسِنٌ بِالبَنينِ في حاضِرِ العَيش
وَفي سالِفِ الزَمانِ الطَويلِ
وَيُعِدُّ الضَريحَ مِن مَرمَرِ الخُلد
الكَريمِ المُهَذَّبِ المَصقولِ
يَدفُنُ الصالِحينَ في وَرَقِ المُص
حَفِ أَو في صَحائِفِ الإِنجيلِ
مِصرُ في غَيبَةِ المُشايِعِ وَالحاسد
وَالحاقِدِ اللَئيمِ الذَليلِ
قامَتِ اليَومَ حَولَ ذِكراكَ تَجري
وَطَنِيّاً مِنَ الطِرازِ القَليلِ
مِن رِجالٍ بَنَوا لِمِصرَ حَديثاً
وَأَذاعوا مَحاسِناً لِلنيلِ
هُم سُقاةُ القُلوبِ بِالوُدِّ وَالصَفو
وَهُم تارَةً سُقاةُ العُقولِ
لَيسَ مِنهُم إِلّا فَتىً عَبقَرِيٌّ
لَيسَ في المَجدِ بِالدَعِيِّ الدَخيلِ [4]
قصيدة يا مصر سماؤك جوهرة
يا مصر سماؤك جوهرة
وثراك بحار عسجده
والنيل حياة دافقة
ونعيم عذب مورِده
والملك سعيد حاضره
لك في الدنيا حر غده
والعصر إليك تقرّبه
وإلى حاميك تودّده
والشرق رقيك مظهره
وحضارة جيلك سؤدده
لسريرك بين أسرّته
أعلى التاريخ وأمجده
بعلو الهمة نرجعه
وبنشر العلم نجدّده [5]