هرمون الأدرينالين (Adrenaline Hormone)
على الأغلب أن أول ما يتبادر إلى ذهنك عند سماع كلمة "الأدرينالين" هو الرياضات الخطيرة.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
لكن هل كنت تعلم أنه مركب ذو أهمية بالغة في الجسم؛ الأدرينالين (Adrenaline) - المعروف أيضاً بالإيبينيفرين (Epinephrine)- عبارة عن هرمون وناقل عصبي (مركب مسؤول عن نقل السيالات العصبية بين خلايا الجسم المختلفة).
ودواء يُستخدم لعلاج بعض الحالات الطبية؛ الأدرينالين هو الناقل العصبي الأساسي للجهاز العصبي الودي.
(جهاز عصبي يعمل بواسطة مجموعة من الأعصاب تنشأ من النخاع الشوكي، ويُعتبر المسؤول عن كثير من العمليات اللاإرادية التي تقوم بها خلال اليوم).
بالإضافة لذلك يعتبر الأدرينالين المسؤول عن مشاعر الاندفاع والشجاعة التي تشعر بها عند تعرضك لمواقف خطيرة، كركوب الدراجة على طريق شديد الانحدار أو تسلق الجبال والمرتفعات وغيرها من المغامرات.
لكنه أيضاً المسؤول عن شعورك بالخوف والرهبة عند إدراكك العواقب الوخيمة التي قد تنجم عن هذه الأفعال؛ إذاً هو هرمون الاندفاع أو الهرب.
يعتبر الأدرينالين كذلك من هرمونات الشدة، حيث أن الضغوطات اليوميّة والتوتر المستمر الذي يرافق روتين الحياة في وقتنا الحاضر يرفع نسبة الأدرينالين في الدم.
ما هو هرمون الأدرينالين؟
يُصنّع القسم الأكبر من هرمون الأدرينالين في الغدد الكظرية (Adrenal Glands)، والتي هي عبارة عن غدتين موجودتين فوق الكليتين مباشرةً.
تتألفان من قسم محيطي يدعى القشر (Adrenal Cortex) المسؤول عن إفراز الكورتيزون والهرمونات الجنسية، في حين يفرز الأدرينالين من مركز الغدة الكظرية (Adrenal Medulla).
كما يتم إفراز قسم بسيط من الأدرينالين من خلايا الجهاز العصبي المركزي (الدماغ والنخاع الشوكي).
عندما يتعرض الشخص لموقف خطير ومفاجئ يقوم الدماغ بإرسال سيالات عصبية بشكل أوامر تحرض الغدّة الكظرية على طرح الأدرينالين إلى مجرى الدم.
بعد ذلك يقوم الهرمون بالارتباط بمستقبلاته الخاصة الموجودة على سطح الخلايا ليسبب مجموعة من التغيرات في الجسم تنتهي باستجابة الشخص لما يحدث له.
فإما أن يبقى ويواجه الأمر أو يلوذ بالفِرار (Fight or Flight)، وأهم التغيرات التي تحدث في الجسم بفعل الأدرينالين هي؛ تسرع القلب وزيادة عدد نبضاته ليضخ كمية أكبر من الدم عبر الأوعية الدموية.
تلك التي تتوسع بدورها بهدف تحقيق مرور كمية أكبر من الدم إلى الأعضاء الضرورية كالدماغ والعضلات.
بالتالي تأمين كمية أكبر من الأوكسجين لهذه الأعضاء بما يضمن اتخاذ القرار وتطبيقه بشكل أسرع، علماً أنه ليس بالضرورة أن يكون القرار الُمتّخذ حينها هو الأفضل.
لكن هذا يعتمد على الشخص نفسه وطريقة تعامله مع المواقف المختلفة التي يتعرض لها، الأدرينالين هرمون سريع العمل، فهو يعطي تأثيره فور طرحه بالدم، ويدوم لعدة دقائق ثم يُطرح خارج الجسم عن طريق البول.
ما تأثير الأدرينالين على أعضاء وأجهزة الجسم المختلفة؟
يؤثر الأدرينالين على مختلف أعضاء وأجهزة الجسم عن طريق ارتباطه بمستقبلاته الخاصة الموجودة على سطح الخلايا كما سبق وذكرنا، ونورد فيما يلي التأثيرات المختلفة للأدرينالين على أعضاء الجسم، وهي:
1. يسبب الأدرينالين تسرع القلب وزيادة عدد ضرباته
مؤمِّناً بذلك وصول كمية كافية من الدم إلى مختلف أعضاء الجسم لتزويدها بالأوكسجين الضروري لعملها، وتنظيفها من نواتج عمليات الهدم والبناء التي تحدث فيها.
2. يساهم الأدرينالين في ارتفاع الضغط الشرياني
يؤثر الأدرينالين على الأوعية الدموية بطريقتين مختلفتين إما بتوسيعها أو بتضيقها، وهذا يعتمد على الوعاء الدموي نفسه، عندما ترتفع نسبة الأدرينالين في الدم يتسرع القلب وتتوسع الأوعية التاجية المسؤولة عن تغذيته.
كما تتوسع الأوعية الدموية المسؤولة عن تغذية العضلات الهيكلية، وذلك لضمان تزويدها بالأوكسجين الكافي وتخليصها من الفضلات الناجمة عن عملها.
حيث أن استجابة الشخص للموقف الحاصل يعتمد عليها إما بالبقاء ومواجهة الأمر أو الهرب، بالمقابل تتقبض معظم أوعية الجسم الأخرى مسببةً ارتفاعاً في الضغط الشرياني (ارتفاع ضغط الدم).
وبما يضمن تحرك الدم بشكل مناسب عبر الأوعية من مناطق الضغط المرتفع إلى مناطق الضغط الأكثر انخفاضاً، وهكذا حتى يصل الدم إلى القلب والبدء بدورة جديدة.
أي أن الأدرينالين يسرِّع عملية جريان الدم عبر الجسم، كما أنه يزيد من تروية بعض الأعضاء على حساب غيرها، فهو يسبب تقبض أوعية الجلد والأعضاء المحيطية لتحويل أكبر كمية من الدم إلى العضلات والأعضاء المركزية الهامة.
كالكبد والدماغ وغيرها، وهذا ما يفسر إحساس الخدر والتنميل الذي قد يحدث أحياناً في اليدين والقدمين عند التعرض لموقف مخيف أو مثير للتوتر.
3. يسبب الأدرينالين توسع حدقة العين
يؤمن دخول كمية أكبر من الضوء إلى العينين، بالإضافة إلى التركيز على العامل المسبب للخطر الذي عادة ما يكون قريباً من الشخص.
4. تتوسع القصبات الهوائية في الرئتين ويتسرع التنفس
ما يؤمن دخول كمية أكبر من الهواء الُمحمّل بالأوكسجين اللازم لدعم العضلات، وذلك لضمان أدائها لعملها بشكل أسرع وأكثر قوة وفعالية.
5. يساهم الأدرينالين في ارتفاع سكر الدم
يحرض الأدرينالين تحرير السكر المُخزن في الكبد، وطرحه إلى الدم ليتم استهلاكه من قبل مختلف الخلايا للحصول على الطاقة اللازمة لأداء عملها.
6. يساهم الأدرينالين في التعرق الغزير
الجهاز الودي هو المسؤول عن الإنتاج الزائد للعرق عند التعرض لموقف محرج أو خطير أو مثير للتوتر، لكن الاختلاف هنا يكمن في الناقل العصبي الذي يقوم بالعملية.
فالأستيل كولين (ناقل عصبي له أدوار عديدة ومهمة في الجسم) هو المسؤول عن عمل الغدد العرقية في مختلف أنحاء الجسم ماعدا الغدد العرقية الموجودة في اليدين والقدمين.
حيث يُعتبر الأدرينالين المسبّب للتعرق الزائد في تلك المناطق من الجسم.
7. يسبب الأدرينالين القشعريرة
وهي ما يحدث لشعر جسمك عندما تخاف أو تشعر بالبرد؛ يؤثر الأدرينالين على عضلات صغيرة موجودة في قاعدة الشعرة مسبباً تقلصها بشكل متوافق مما يؤدي لانتصاب أشعار الذراعين والساقين خاصةً.
8. الأدرينالين يسبب نقص فعالية الجهاز الهضمي
تتقبض الأوعية الدموية المغذية للجهاز الهضمي مما يؤدي لنقص الدم الوارد إليه، بالإضافة إلى أن الأدرينالين يسبب استرخاء عضلات الجهاز الهضمي.
بالتالي تنقص فعاليته؛ فإنّه ليس الوقت المناسب للطعام عند اتخاذ قرار حاسم بحسب رأي الجسم.
9. يساهم الأدرينالين في ارتفاع عتبة الألم
إذا قمنا بتشبيه القدرة على تحمل الألم بغرفة مليئة بالماء، فكلما ارتفع سقف الغرفة كلما ازدادت قدرتها على استيعاب المزيد من الماء، وهذا ما يُقصد به بمصطلح عتبة الألم أو سقف الألم.
فكلما ارتفعت العتبة كلما ازدادت قدرة الشخص على تحمل المزيد من الألم؛ والأدرينالين قادر على رفع عتبة الألم بدرجة معينة أي يصبح الشخص أكثر قدرة على تحمل آلام لا يتحملها عادةً.
أو غض النظر عنها ريثما تنتهي مرحلة التوتر وتنخفض نسبة الأدرينالين في الجسم.
10. زوال الأدرينالين قد يسبب التغوط أو التبول اللاإرادي عند الخوف
هذه الحالة قد تحدث عند بعض الناس نتيجة التعرض لموقف مخيف أو مرعب، لكن التغوط اللاإرادي لا يحدث نتيجة إفراز الأدرينالين.
إنما نتيجة زوال تأثيره في الجسم، فالأدرينالين يسبب تقبض المعصرات المسؤولة عن إغلاق فوهة الشرج والإحليل (مخرج البول).
لكن بانتهاء تأثير الأدرينالين في الجسم بعد بضعة دقائق من إفرازه قد يحدث ارتخاء شديد في هذه المعصرات مسبباً حدوث تغوط أو تبول خارج عن سيطرة الفرد.
الاستخدامات الطبية للأدرينالين
يُستخدم الأدرينالين كدواء لعلاج بعض الحالات الطبية الشديدة، ومن أهم الاستخدامات الطبية للأدرينالين، نذكر:
1. علاج الصدمة التحسسية (Anaphylactic shock)
هي مجموعة الأعراض والعلامات التي يعاني منها الشخص عندما يصاب بحالة تحسسية شديدة جداً، سواء كان هذا التحسس ناجماً عن طعام معين أو دواء أو نتيجة لدغ الحشرات كالنحل أو لدغات الأفاعي والعناكب وغيرها.
فبعض الناس يتحسسون من مواد معينة، ويؤدي تعرضهم لها لحدوث الصدمة التحسسية التي تتميز بظهور أعراض شديدة ومهددة للحياة بحاجة لعلاج سريع وفوري بالأدرينالين.
تختلف باختلاف المادّة المسببة للحساسية، ومن أهم الأعراض التي قد تحدث في سياق الصدمة التحسسية، نذكر:
- تورم اللسان والحنجرة: ما قد يسبب انسداد مجرى الهواء، وحدوث صعوبة بالتنفس.
- صعوبة البلع والكلام، وتغيرات بالصوت كحدوث بحة بعد التعرض للمادة المسببة للحساسية.
- سماع وزيز أثناء التنفس، وحدوث سعال شديد.
- آلام بطنية مترافقة غالباً مع غثيان وإقياء.
- دوار ودوخة قد تصل لدرجة حدوث فقدان الوعي نتيجة اضطراب التروية الدموية للدماغ بسبب انخفاض الضغط الشرياني الشديد التالي للصدمة التحسسية.
يعد الأدرينالين الدواء الأساسي لعلاج الحالة السابقة، فهو يخفف تورم اللسان والحنجرة مؤمناً عبور الهواء إلى الرئتين وتحسن التنفس، كما أنه يرفع الضغط المنخفض وينظم عمل القلب.
يُعطى الأدرينالين حقناً عبر الوريد أو حقناً عضلياً من قبل يد خبيرة بعد أخذ المريض إلى المشفى، كما أن هناك ما يدعى "قلم الأدرينالين" وهو إبرة خاصة سهلة الاستعمال.
غالباً ما نجدها في متناول الأشخاص الذين يعانون من هذه الحالة، ففي حال تعرض المريض للمادة المسببة للحساسية يقوم بحقن الأدرينالين في منتصف الوجه الأمامي الخارجي للفخذ (حصراً في ذلك المكان).
مع ضرورة استدعاء الإسعاف لأخذ المريض إلى المشفى واتخاذ إجراءات أخرى مرافقة في حال عدم كفاية العلاج بالأدرينالين.
2. يستخدم في بعض عمليان العيون
يُستخدم الأدرينالين في توسيع الحدقة الطبي؛ لفحص قعر العين أو إجراء بعض العمليات العينية.
3. علاج توقف القلب المفاجئ (Cardiac Arrest)
عند توقف القلب بشكل مفاجئ يقوم بعض الأطباء بحقن الأدرينالين ضمن القلب باستخدام إبرة خاصة عبر جدار الصدر، يفيد هذا الإجراء غالباً بإعادة النبض القلبي واستعادة نبض المريض.
لكن تَبيّن أن النتائج قد تكون سيئة على المدى البعيد؛ بناءً على دراسة أجريت في فرنسا فإن 4 من أصل كل 5 مرضى ممن خضعوا لهذا الإجراء تعرضوا لاحقاً لأذية دماغية.
في حين أن هذه الأذية حدثت فقط عند ثلث المرضى ممن تم إنقاذهم دون الحاجة لحقنة الأدرينالين عبر القلب، وبالرغم من ذلك لايزال حقن الأدرينالين عبر القلب السبيل الوحيد لإعادة القلب للعمل بعد توقفه في بعض الحالات.
مع ضرورة إجراء الإنعاش القلبي الرئوي للمريض بشكل مرافق لإعطاء الحقنة، ويبقى احتمال عدم نجاح العلاج احتمالاً وارداً في كل حالة.
4. يستخدم في بعض العمليات الجراحية الصغيرة
يُستخدم الأدرينالين في بعض العمليات الصغيرة التي تعتمد التخدير الموضعي مثل العمليات على الأسنان، حيث يتم مزج كمية قليلة منه مع المخدر الموضعي وحقنه تحت الجلد.
فالأدرينالين مسؤول عن تقبض الأوعية الدموية السطحية الموجودة في تلك المنطقة مما يؤمن بقاء أطول للمخدر بسبب نقص امتصاصه إلى الدم عبر الأوعية المتقبضة.
الأدرينالين في حياتنا اليومية
الاستجابة التي يحرضها الأدرينالين بالبقاء ومواجهة الخطر أو الهرب منه، والناجمة عن تعرض الشخص لموقف مرعب أو مثير للتوتر، تُعتبر من أهم الآليات التي حافظت على حياة البشر في العهود الماضية.
فالحياة لم تكن كما هي عليه الآن، حيث كان البشر يتعرضون لمواقف حياتية صعبة كمواجهتهم لحيوانات برية مفترسة مثل الدببة والذئاب وغيرها.
وبالرغم من أن البقاء على قيد الحياة أخذ معايير جديدة في يومنا الحاضر إلا أنه لايزال هناك مواقف تحرض إفراز الأدرينالين كالتوتر الذي نعيشه في حياتنا اليومية سواء الاقتصادي أو الدراسي أو العاطفي أو الاجتماعي.
والمشكلة تكمن في أن الجسم يستجيب لهذه الحالات من التوتر بشكل مبالغٍ فيه؛ مما يعرّضه لتأثيرات الأدرينالين العديدة بشكل مستمر ومتكرر.
حيث أظهرت الدراسات أن التوتر المستمر والتعب الزائد ونقص الراحة يزيد من خطر الإصابة بأمراض الأوعية كمرض تصلب الشرايين (تضيق الشرايين نتيجة ترسب الدهون ضمن جدرانها) وارتفاع الضغط الشرياني.
كما أنه يسبب أذيات دماغية قد تنتهي بحدوث الاكتئاب والقلق الدائم والإدمان بمختلف أشكاله، بالإضافة إلى دوره في حدوث البدانة إما بسبب تناول الطعام بشكل زائد كطريقة لمحاربة التوتر، أو بسبب نقص النوم والرياضة.
وفي النهاية.. لا يسعنا القول إلّا أن الأدرينالين مركب لا غنى عنه، فهو ضروري لأداء وظائف مختلفة وبالغة الأهمية في الجسم، لكن عليك أن تحمي نفسك من ارتفاعه المستمر والمتكرر بمحاولة إنقاص القلق والتوتر الذي تعيشه كل يوم.
خذ نفساً عميقاً وحاول أن تُهدِّئ من روعك قبل أن تبدأ بالصراخ والعصبية على أشياء لا تستحق ذلك، خصّص وقتاً للاستراحة والاستجمام بين أيام العمل، فالتوازن سر الحياة.