فوائد التبرع بالدم
يُعرف التبرع بالدم (بالإنجليزية: Blood Donation) بأنه الحصول على الدم من شخص ما (المُعطي) بإرادته وبشكل طوعي، ونقله إلى الدوران الدموي لشخص آخر (المُتلقي)، أو إخضاعه لعملية تُدعى التجزئة لفصل مكوناته عن بعضها، وإعطاء أحد تلك المكونات أو أكثر إلى المُتلقي، ومن التعريف السابق نستنتج أن نقل الدم ليس عملية واحدة فقط، إنما مجموعة من العمليات بحسب الجزء المنقول من الدم، وفي هذا المقال نقدم لك فوائد التبرع بالدم للجسم، ومدى صحة الشائعات حول آثاره السلبية.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
المجموعات hلدموية التي تتحكم في نقل الدم
هناك 4 مجموعات دموية أساسية تندرج جميعاً ضمنها، وتدعى بنظام (ABO) (ABO System)، وهذه المجموعات هي (A, B, AB, O)، كل واحدة منها تنقسم أيضاً إلى إيجابي وسلبي، بحسب وجود عامل الريزوس (Rh)، وبالتالي يوجد 8 زُمر دموية. [1]
ويتكون الدم من مجموعة من المكونات المختلفة يقوم كل منها بدور مختلف، والمهم في عملية نقل الدم (الأمر الذي يُحدد الزمرة الدموية)، هما مكونان أساسيان: الكريات الحمراء (بالإنجليزية: Red Blood Cells)، والمصورة الدموية (بالإنجليزية: Plasma)، ولكي نفهم آلية تشكيلهما للزمر الدموية، لا بد من شرح بعض المفاهيم الأساسية في علم المناعة. [1]
مولدات الضد والأجسام المضادة
وهي الوسائل الأساسية التي يتعرف بها جسمنا على المواد الغريبة ويقضي عليها، وذلك كما يأتي: [1]
- الأجسام المضادة (Antibodies): هي بروتينات تجول في الدم لترتبط بالمواد الغريبة من بكتيريا وأحياء دقيقة وأنسجة غريبة، والأجسام المضادة المتعلقة بالزمر الدموية تسمى بالأجسام الراصة، وهي نوعان: [1]
- الأجسام الراصة لمولد الارتصاص A، أو الأجسام المضادة لـA (Anti A Antibodies).
- الأجسام الراصة لمولد الارتصاص B، أو الأجسام المضادة لـB (Anti B Antibodies).
- مولدات الضد (Antigens): تُعرف أيضاً بالمستضدات، والنوع المتعلق بالزمر الدموية منها يسمى بمُولدات التراص، وهي جزيئات بروتينية توجد على سطح الكريات الحمراء، ولها نمطان يمكن أن يجتمعا معاً على سطح الكرية أو يوجد واحد منهما فقط أو لا يوجد أي منهما، وهذان النمطان، هما: [1]
- مولدات الضد A (A Antigens).
- مولدات الضد B (B Antigens).
يجب ألا يجتمع أبداً مولد الضد مع الجسم المضاد من النوع نفسه في جسم الإنسان السليم، وتحتوي مصورة كل شخص على أجسام مضادة لمولدات الضد غير الموجودة على سطح كرياته الحمراء، فإذا كان لديك مولد الضد A على سطح كرياتك الحمراء يكون لديك الجسم المضاد (Anti B) في مصورتك الدموية. [1]
وتتم تسمية المجموعة الدموية بحسب مولدات التراص الموجودة على سطح الكريات الحمراء كما يأتي: [1]
- المجموعة الدموية (Blood Group A): تحوي الكريات الحمراء على سطحها مولد التراص A، أما المصورة فتحوي أضداد (Anti B).
- المجموعة الدموية (Blood Group B): تحوي الكريات الحمراء مولد التراص B، أما المصورة الدموية فتحوي أضداد (Anti A).
- المجموعة الدموية (Blood Group O): لا تحوي الكريات الحمراء على سطحها أي مولدات تراص، أما المصورة فتحوي نوعي الأجسام المضادة (Anti A / Anti B)، ويدعى من يملك هذه الزمرة الدموية بالمُعطِي العام.
- المجموعة الدموية (Blood Group AB): تحوي الكريات الحمراء على سطحها كلاً من مولدي التراص A / B، أما المصورة الدموية فلا تحوي أجساماً مضادة للكريات الحمراء، ويدعى صاحب هذه الزمرة بالمُستقبِل العام.
الشرط الأساسي في عملية نقل الدم هو عدم تراص الكريات الحمراء للمُعطي مع الأضداد الموجودة في مصورة دم المُتلقي. [1]
وبحسب الشرط السابق ينتج ما يأتي: [1]
- صاحب الزمرة الدموية A: يمكنه التبرع بالدم إلى شخص زمرته A أو AB، لأنهما لا يحملان الأجسام المضادة (Anti A).
- صاحب الزمرة الدموية B: بالمثل، يمكنه التبرع إلى شخص زمرته B أو AB.
- صاحب الزمرة الدموية AB: لا يمكنه التبرع إلا لشخص زمرته AB فقط، لأنه يحوي مولدي التراص، إلا أنه يُمكن أن يستقبل من الجميع بسبب عدم وجود أجسام مضادة في مصورته الدموية.
- صاحب الزمرة الدموية O: يستطيع التبرع إلى جميع الزمر الدموية الأخرى، لأن كرياته الحمراء لا تحمل مولدات تراص، لكنه لا يستقبل الدم إلا من شخص زمرته الدموية O، لأن مصورته تحوي نوعي الأجسام المضادة.
عامل الريزوس (Rh Factor)
قد يحتوي سطح الكريات الحمراء على نوع ثانٍ من مولدات التراص، ويدعى مولد التراص هذا بعامل الريزوس، فإذا كان موجوداً على سطح الكرية الحمراء كان الشخص إيجابي الريزوس، أما إذا لم يكن موجوداً فيكون هذا الشخص سلبي الريزوس. [1]
وهكذا نندرج جميعاً ضمن 8 زمر دموية بحسب نظام (ABO) وعامل الريزوس، وهي كالآتي: [1]
- A+
- A-
- B+
- B-
- AB+
- AB-
- O+
- O-
من يمكنه التبرع بالدم
أغلب الناس مؤهلون للتبرع، إلا أن قلة منهم يمكن أن تتبرع بشكل دوري، ولكي تكون مؤهلاً للتبرع بالدم، يجب أن تتوافر لديك المقومات الآتية: [2]
- أن تكون بصحة جيدة ولا تشكو من أي مرض.
- أن يكون وزنك أكثر من 50 كيلوغراماً.
- أن يكون عمرك 17 عاماً أو أكثر (ويسمح بالتبرع حتى سن 66-70 في بعض البلدان).
- أن يكون قد مضى 12 أسبوعاً على آخر عملية تبرع بالدم قمت بها إن كنت ذكراً، أو 16 أسبوعاً إذا كنت أنثى.
- أن تكون خالياً من الأمراض السارية والمعدية، ويتم التحقق من الدم المتبرع به في أغلب الأحيان، للتأكد من عدم وجود الفيروسات والبكتيريا الدموية الشائعة، مثل: فيروس العوز المناعي البشري HIV، والتهاب الكبد الفيروسي B وC، وجنون البقر.
- ألا تتعاطى مخدرات وريدية أو أي أدوية محقونة دون وصفة طبيب، أو لم يشرف فرد مدرب طبياً أو تمريضياً على حقنها.
من المعروف أن الرجال أكثر قابلية من النساء للتبرع بالدم بشكل عام، وهذا يعود للعديد من الأسباب أهمها، أن متوسط كمية الدم الموجودة في جسم الرجل أكبر منها عند المرأة، ونسبة الرجال ذوي الوزن فوق 50 كيلوجراماً أكثر منها عن النساء. [2]
إضافة إلى ذلك تخسر النساء كمية من الدم بشكل دوري بسبب الدورة الشهرية، لذلك يقع على أجسامهن عبء إضافي لتعويض الدم، وهذا العبء غير موجود عند الذكور. [2]
فوائد التبرع بالدم
- من أجل صحتك: هناك عدد كبير من الفوائد الصحية التي يمكن أن تحصل عليها عند التبرع الدوري بالدم، ومن ضمن هذه الفوائد ما يأتي: [3]
- الوقاية من داء الصباغ الدموي: داء الصباغ الدموي (بالإنجليزية: Hemochromatosis) هو حالة صحية ناتجة عن زيادة امتصاص الحديد، الذي نتناوله مع الغذاء وتراكمه في الدم، قد يكون السبب وراثياً أو بسبب الاستهلاك المفرط للكحول، أو بسبب اضطرابات دموية، وفي هذه الحالة، يساعد التبرع بالدم على تخفيف العبء الزائد من الحديد.
- الوقاية من بعض أنواع السرطان: التبرع بالدم ينبه مخازن الحديد في الجسم، من أجل استهلاك قسم من الحديد المخزن، لتشكيل دم جديد وتعويض النقص، ووجدت الدراسات أن منع مستوى الحديد من الارتفاع يترافق مع خطورة أقل للإصابة بالسرطان.
- الحفاظ على صحة القلب والكبد: التبرع بالدم يقي من إصابة القلب والكبد والبنكرياس بالأمراض المختلفة، لأن تناول الأغذية الغنية بالحديد يؤدي إلى تراكمه في الدم وتخزين الفائض في القلب والكبد والبنكرياس، مما يؤدي إلى طيف واسع من الآثار الجانبية غير المرغوبة التي قد تكون خطيرة، مثل: التشمع الكبدي الذي يؤدي إلى الفشل الكبدي، إصابة البنكرياس ونقص إفرازه الهضمي، أما إصابة القلب فتؤدي إلى اضطراب في النظم القلبي (بالإنجليزية: Cardiac Arrhythmias) (اضطراب في آلية التوصيل الكهربائي للتنبيهات ضمن القلب، مما قد ينتج عنه تسارع النبض أو تباطؤه أو حتى تسارع وتباطؤ في الوقت نفسه)، ولا توجد وسيلة أفضل من التبرع بالدم كل فترة لإنقاص الحمل الزائد من الحديد ومنعه من التسبب في تلك الأمراض الخطيرة.
- تخفيف الوزن: بما أنك تتبرع بكمية من الدم، فأنت تخسر وزن تلك الكمية، بالإضافة إلى السعرات الحرارية التي يستهلكها جسمك لإنتاج الطاقة اللازمة لعملية تجديد الدم، بالرغم من كون النقص في الوزن قليلاً نسبياً إلا أنه قد يكون مفيداً عند المرضى البدناء أو من يعانون من الأمراض القلبية التي يفيد فيها تخفيف العبء الدموي على القلب، يجب الحذر من الإفراط في سحب الدم للتخلص من الوزن أو التبرع بعدد مرات أكثر من اللازم بالطبع.
- خلايا دموية جديدة: عندما تخسر كمية من الدم بسبب التبرع، يتم تحريض مراكز توليد الدم (الموجودة ضمن بعض العظام)، من أجل إنتاج مكونات دم جديدة، ويفيد ذلك في تنشيط هذه المراكز، وتكون دماً طازجاً يحوي خلايا صغيرة العمر تكون ذات كفاءة أعلى من تلك التي تمت خسارتها عند التبرع.
- من أجل الآخرين: الدم المنقول من متبرعين ينقذ حياة عدد لا يحصى من الأشخاص، وخصوصاً في الحالات الآتية: [3]
- النساء في العمليات الجراحية التي تندرج ضمن تعقيدات الحمل أو مضاعفاته، كالحمل المنتبذ (خارج الرحم) أو الحالات الأخرى التي تستوجب الولادة القيصرية.
- الأطفال المصابون بفقر الدم الحاد الناتج غالباً عن الملاريا أو سوء التغذية.
- ضحايا الحوادث أو الكوارث الطبيعية أو الاعتداءات العنيفة الذين يحتاجون لتعويض دم سريع.
- العديد من العمليات الجراحية المطوّلة، خاصة إذا كانت على مساحة كبيرة أو حساسة من الجسم كالقلب والدماغ، إضافة إلى معالجات السرطان.
- يحتاج بعض الأشخاص إلى نقل دم جديد بشكل متكرر كل فترة، مثل: المصابين بمرض فقر الدم المنجلي (SCC)، وفيه تكون الكريات الحمراء مشوهة وقابلة للتخريب بسرعة، وقد يأتي هذا التخريب على شكل نوبات شديدة تحتاج تعويضاً سريعاً.
ماذا يحدث بعد أن تتبرع بالدم
أغلب مراكز نقل الدم تنصح المتبرع بالبقاء بوضعية مريحة لمدة 10-15 دقيقة بعد التبرع، وبعضها قد يمنحك ما يساعدك على البدء بتعويض الخسارة (قطعة حلوى أو كوب من العصير مثلاً)، يغطى مكان الإبرة بقطعة قطن معقم، ويطلب منك الضغط عليها حتى توقف خروج قطرات الدم. [2]
يتم تعويض المصورة الدموية (القسم السائل من الدم) خلال يومين أو 3 أيام بعد التبرع، لذلك لا يعد ذلك مشكلة، أما كريات الدم الحمراء فتحتاج وسطياً إلى 36 يوماً حتى تتجدد، وهذا ما يحد من إمكانية التبرع بشكل مستمر. [2]
لا يوجد إجماع عالمي على الفترة التي يجب أن تنتظرها حتى تقوم بالتبرع مرة ثانية، إلا أن أغلب المراكز تنصح بالانتظار 12 أسبوعاً (نحو 3 أشهر) بالنسبة للذكور البالغين و16 أسبوعاً (نحو 4 أشهر) عند النساء البالغات، أما المراهقون فينصح أن ينتظروا 6 أشهر على الأقل قبل أن يتبرعوا بالدم مرة أخرى. [2]
مضاعفات التبرع بالدم
بالرغم من فوائده الكثيرة والمهمة، إلا أن عملية التبرع بالدم، إن لم تنفذ باحترافية واهتمام كافٍ، قد تحمل عواقب خطيرة للمستقبل، ومن ضمن هذه العواقب ما يأتي: [3]
عدم توافق الزمر الدموية (ABO Incompatibility)
أسوأ ما قد يحدث عند نقل الدم، وأصبحت نادرة في السنوات الأخيرة بسبب الإجراءات الصارمة التي تتبعها المراكز الصحية في تسجيل الزمر الدموية لجميع عينات الدم المخزنة، والتأكد منها مرة ثانية قبل إدخالها إلى جسم المُتلقي الذي يجري التأكد من زمرته الدموية قبل نقل الدم إليه في وحدات الإسعاف.
وبسبب تلك الإجراءات يبدو واضحاً أن هذه الحالة شديدة الخطورة، يشعر فيها المُتلقي لدم غير موافق لزمرته الدموية بألم ظهري وقشعريرة وحمى وتلون البول باللون الأحمر، ويشعر المريض بقرب موته لا محالة، وهي حالة إسعافية مستعجلة تستوجب العودة إلى وحدة الإسعاف أو العناية المشددة فور ظهور تلك الأعراض.
هناك حالات بسيطة من عدم توافق الزمر الدموية تجري عند نقل دم إيجابي الريزوس (Rh+) إلى شخص سلبي مثلاً، أو عند عدم التوافق في أنواع ثانوية من مستقبلات الضد والأجسام المضادة، وهي ليست بخطورة التنافر السابق، ومن الصعب التنبؤ بها، لذلك يجرى اختبار تراص يجرى فيه مزج عينات من دم المتبرع والمتلقي للتحقق من عدم وجود تنافر بينهما.
الخمج (Infection)
أي انتقال العوامل الممرضة إلى داخل جسم الإنسان، وقد يحدث ذلك للمُتبرع والمُستقبل على حد سواء عند استعمال إبر حقن ملوثة، أو حتى إذا كانت الأدوات الطبية معقمة ونظيفة قد ينقل المتبرع للمتلقي عوامل ممرضة منتقلة بالدم، وهذه الحالات في تناقص مستمر خاصة في البلدان المتقدمة طبياً من العالم.
إذ يتم فحص شامل لجميع عينات الدم المتبرع به، إضافة إلى سؤال المتلقي عدة أسئلة تفيد في معرفة الأفراد المشكوك بهم (الذكور المثليون جنسياً في متلازمة نقص المناعة المكتسبة مثلاً، وسكان المملكة المتحدة أو من زاروها في الثمانينيات من القرن العشرين بالنسبة لجنون البقر).
أنواع أخرى للتبرع بالدم
في البداية، وقبل الوصول إلى تقنيات فرز مكونات الدم المختلفة، كان يتم نقل الدم الكامل دائماً إلى جميع من يحتاج أي عنصر دموي، وبالرغم من فائدة هذه العملية إلا أنها ليست الطريقة الأفضل في معظم الحالات، لذلك يتم الآن تحديد العامل الناقص من الدم بحسب الحالة وتعويض هذا العنصر فقط. [4]
وذلك مثل تعويض الكريات الحمراء فقط في حالات نقص الخضاب (بالإنجليزية: Hemoglobin) (وهو المادة الموجودة في الكريات الحمراء التي تسمح لها بالقيام بوظيفتها في نقل الغازات الدموية)، أو نقل الصفيحات (بالإنجليزية: Platelets) (وهي مكونات دموية صغيرة تلعب دوراً في التخثر وإغلاق الجروح) في الأمراض النزفية. [4]
وفي الختام، الدم هو المكون السائل الأهم في أجسام جميع الكائنات الحية، واكتشاف طريقة لتعويض ضياعه يعتبر أحد أهم الإنجازات الطبية على الإطلاق، فقد فتح المجال لإنقاذ أرواح الكثيرين، إضافة إلى إجراء عمليات جراحية لم يكن بالإمكان القيام بها دون وجود احتياطي من الدم، ومن المؤكد أن التقنيات الحديثة وإجراءات السلامة ستستمر في تحسين هذه التقنية وإيصالها إلى مستويات أعلى من الكفاءة لتجنب المضاعفات قدر الإمكان.