طرق التعامل مع الذكريات المؤلمة

  • بواسطة: بابونج تاريخ النشر: الأحد، 24 نوفمبر 2019 | آخر تحديث: الإثنين، 25 نوفمبر 2019
مقالات ذات صلة
طرق التعامل مع انفصال الصداقة
طرق التعامل مع الخلافات بين الأخوة
طرق التعامل مع مريض الاكتئاب

لا يمكن أن يمرَّ الإنسان في هذه الحياة دون أن يتعرض لمواقف سيئة وأحداث مؤلمة، فالجميع يفقد شخصاً عزيزاً عليه أو يضطر للتعامل مع حالات إنسانية مؤلمة.

حيث نرى المحاربين العائدين من الحرب يعيشون في دوامة الذكريات المؤلمة لما رأوه من القتل والتدمير بأعينهم، وربما يعانون مما ارتكبوه هم أنفسهم أثناء المعارك.

فيديو ذات صلة

This browser does not support the video element.

كما أنَّ هناك ذكريات أقلَ قسوة لكنها أيضاً تؤثر على حياتنا بشكل كبير.

بعض الأحداث المؤلمة يكون تجاوزها صعباً للغاية

يمكننا فرضياً أن نقسم الذكريات المؤلمة إلى نوعين رئيسين، النوع الأول هو ما يكون واضحاً ومتعلقاً بالأحداث الصادمة أو الصدمات الحادة (Acute Trauma) التي نتعرض لها.

حيث أنَّ هذه الأحداث المؤلمة تترك جرحاً عميقاً في أنفسنا ونعجز عن تجاوزها بسهولة، كما تكون آثارها مباشرة ومستمرة وهو ما يعرف باضطرابات ما بعد الصدمة (PTSD).

أمَّا النوع الثاني يمكن أن نسميه الصدمات المعقَّدة (Complex Trauma) وهي التي تترك أثراً عميقاً في النفس لكنها قد لا تظهر بشكل واضح إلَّا أنَّها تكون مؤثرة على السلوك.

هذا النوع من الصدمات الذي يتحول إلى عقد نفسية تكون الدافع الأساسي لبعض التصرفات.

وهو ما تعنى به مدرسة التحليل النفسي التي تحاول الوصول إلى جذور السلوك وما يستند إليه من ذكريات وأحداث لا يشترط أن تدركها الذاكرة الواعية، وإن أدركتها قد لا يتوقع الإنسان أنَّها تشكل خطراً على اتزانه النفسي.

نتحدث هنا عن مشكلات الطفولة وما يسمعه الطفل من أهله أو محيطه وما قد يتعرض له من تعديات لفظية أو جسدية يحملها معه إلى الأبد.

إذاً... فنحن نواجه أحداثاً مؤلمةً تشكِّل لنا صدمة قوية وتترك وراءها ذكرياتٍ مؤلمة قد تكون مؤرقة ومزعجة، كما أنَّنا نواجه أحداثاً قد لا نتذكرها بشكل مجرد لكنها تؤثر على سلوكنا وحياتنا اليومية.

طرق للتعامل مع الذكريات التي سببت صدمات في الماضي

نعتقد أنَّه من المستحيل وجود أشخاص لم يتعرضوا لصدمات حادَّة في حياتهم، ولنقل فقدان شخص عزيز مثلاً، فإذا أردنا أن نتذكر تلك الصدمات والحوادث سنستعيد الحزن والشعور بالأسى تجاه تلك الفترة.

لكن فعلياً يمكننا التعامل مع هذه الذكريات بشكل مختلف.

ولنقل أنَّ الإنسان عموماً لديه آلية دفاعية ذاتية للتعامل معها لكنَّ هذه الآلية قد تتعطل أحياناً، لذلك يمكن أن نبدأ أولاً بصناعة الذكريات الجيدة أثناء الأحداث السيئة وهذه ستكون مهمة الأشخاص المحيطين بالذي تلقى الصدمة.

ثم التعامل مع آثار الذكريات السيئة.

التفكير في سياق الذكرى بدلاً من عواطفها

تشير دراسة نشرها موقع أكسفورد وأعاد نشرها موقع (Disabled World) إلى أن محاولة استحضار سياق الأحداث الفعلي بعيداً عن السياق العاطفي للصدمة يساهم بشكل واضح بالتخفيف من الذكريات المؤلمة.

حيث من الأفضل أن نحاول استدعاء تفاصيل غير عاطفية من سياق الحدث كأن نتذكر كيف كان الطقس أو شكل الثياب التي ارتديناها في حضور الدفن.

أو أي مواقف قد تكون أقل قسوة أو ربما تكون طريفة أيضاً؛ فذلك سيخفف من أثر الذكرى المؤلمة، فبدلاً من التفكير بكم كان حزيناً ذلك اليوم يمكن أن نفكر بالأصدقاء الذين حضروا لمساندتنا ومواساتنا.

العلاج النفسي لضحايا اضطرابات ما بعد الصدمة

ربما يكون من المتفق عليه أن الصدمات الكبيرة التي يتعرض لها الإنسان لا بد أن يتم مواجهتها من خلال معالجة نفسية متخصصة، ونحن هنا نتحدث عن الصدمات التي تغير مجرى حياتنا أحياناً.

أو على الأقل تكون ذكراها مؤرقة على المدى الطويل، حيث يعتبر الأشخاص الذين يؤدون الخدمة العسكرية في مناطق الحروب أكثر عرضة للمعاناة من هذه الصدمات.

إضافة إلى الذين يقعون ضحية الاغتصاب أو التعنيف الجسدي، فلا بد من مراجعة المختص النفسي للتوصل إلى حلول علمية ومستمرة تساعدهم على تجاوز الصدمة وذكرياتها المؤلمة.

تحليل الذكريات السيئة

يعتبر تحليل الذكريات السيئة طريقة جيدة للتصالح معها، حيث يلجأ الأشخاص الذين تعرضوا لأحداث صادمة إلى البحث عن جوانب جيدة في هذه الأحداث رغبة منهم في التخلص من الأثر السلبي للذكريات.

وهذا التصالح يكمن أولاً في تعزيز القدرة على الاستمرار بحياة طبيعية رغم الذكريات الصعبة، أو التصدي أحياناً لسبب الحوادث.

فنجد العسكريين يتحولون لدعاة سلام، والمعنَّفات يتحولن إلى المطالبة بالتصدي لتعنيف المرأة والتصدي للمغتصبين.

التعامل مع مصادر إثارة الذكريات

من الجيد أنَّ الإنسان يستطيع أن ينسى الكثير من الآلام بشكل لا بأس به بحيث يتمكن على الأقل من الاستمرار بحياته، لكن هناك بعض الأحداث التي يتم تجاوز آثارها مع مرور الزمن لتعود وتقفز فجأة إلى الذاكرة.

ويكون ذلك بفعل مؤثرات عدة تشمل سلسلة من الأصوات أو الأماكن أو الروائح ...إلخ التي ارتبطت بشكل مباشر بحدث مؤلم في الماضي.

حيث يجب على أصحاب الذكرى السيئة أن يبحثوا عن هذه المثيرات ويتعاملوا معها للتخفيف من استجابتهم لها في المستقبل، علماً أن مجرد الانتباه إلى تلك المثيرات وإدراك تأثيرها يخفف من قدرتها على تحفيز الذكريات السيئة.

إضافة إلى إمكانية إبدال الذكريات السيئة بذكريات جيدة أخرى، فعلى سبيل المثال ربما يتعرض منزلك للسرقة، لكن هذا لا يعني بالضرورة أن تتخلص من المنزل لأنه يحفز ذكريات سلبية لديك.

فالمنزل نفسه يحمل ذكريات مميزة لن تتخلى عنها بسهولة، كما يمكن أن تقيم احتفالاً صغيراً في المنزل بمناسبة خروجك سالماً من حادثة السرقة.

بعض النصائح والمقترحات التي تساعدنا على تجاوز تأثير الذكريات السيئة

  • فكروا بالمستقبل دائماً في كل مرَّة تعاودكم الذكريات المؤلمة، حاولوا أن تحولوا تفكيركم إلى المستقبل، لأن الذكرى السيئة تفتح الباب أمام كلِّ الذكريات السيئة.
  • تعلموا أموراً جديدة واكتسبوا خبراتٍ مختلفة، ذلك سيساعد على تجاوز الماضي والدخول في علاقات جديدة قد تعوضنا عن التفكير في الماضي.
  • ربما نحتاج أحياناً لقسط من الراحة لنبتعد عن كلِّ المؤثرات والضغوطات الخارجية ونعيد ترتيب أفكارنا بشكل أفضل؛ لنتمكن من المضي قدماً في الحياة.
  • محاولة الكتابة أمر جيد جداً للتعامل مع الذكريات المؤلمة، تحويل الذكريات إلى قصص أو ربما مسرحيات أو حتى مجرد كتابتها بصياغة سردية سيساعدنا على التصالح معها، إضافة إلى تحليلها وإدراكها بعمق.
  • تحديد أهداف واضحة في الحياة يقلل من تأثير الذكريات المؤلمة، جربوا أن تكتبوا مجموعة من الأهداف على صعيد العمل والدراسة والحياة الشخصية، ولتكن قوة تفكيركم مركَّزة في هذه الأهداف دون غيرها.
  • لا تترددوا في طلب المساعدة من المختصين، فلا شيء يغني عن استشارة الطبيب أو المعالج النفسي.

الذكريات المعقدة (Complex Trauma) تتحكم بالسلوك ولا يشترط أن ندركها

لقد تحدثنا عن الذكريات المؤلمة التي تخلفها الصدمات الحادة، وغالباً ما تكون هذه الذكريات محبطة ومعطلة للحياة لكنها لا تؤثر في السلوك الاعتيادي للأشخاص بقدر الذكريات المعقدة التي نكتسبها في الصغر.

هذه الذكريات التي ربما لا نتمكن من تذكرها من خلال عقلنا الواعي، لكنها قابعة في اللاوعي وتتحكم بالسلوك دون أن نراها بشكل مجرد.

نقصد الأحداث أو المشاكل التي نتعرض لها في الطفولة المبكرة والتي ترسخ لدينا بعض القواعد والمفاهيم لتصبح منطلقات للسلوك بدورها.

وسنحتاج عندما نكبر إلى جلسات تخصصية من التحليل النفسي لنقتفي أثر الذكرى التي تسبب سلوكاً معيناً، لكن غالباً ما يتمكن الأشخاص الذين يحملون ذكرياتٍ معقدة من التعامل مع هذه الذكريات بطريقة تبدو طبيعية.

مثلاً؛ الأب يقول لابنه (أنت غبي ولن تفهم دروسك)، الطفل في المرحلة الإعدادية لا يتمكن من التركيز ولا يرغب بالاستمرار في الدراسة.

ثم يتخلى عن دراسته ويتجه إلى تعلم مهنة ما، وعندما يكبر سيقول أنَّه لم يكن قادراً على الاستمرار بالدراسة لذلك تخلى عن الدراسة وتابع حياته بمجال آخر.

فهو على الرغم من تعايشه مع الذكرى إلَّا أنَّ سلوكه سيبقى مرتبطاً بها، وهذا النوع من الذكريات هو أحد الأسباب المباشرة للفوبيا والتي لا يمكن تتبعها أو علاجها إلَّا من قبل أشخاص متخصصين.

ختاماً.... قد يعتقد البعض أن كل ما تحتاجه الذكريات السيئة هو المزيد من الوقت لتختفي ويختفي أثرها، وقد يكون ذلك حقيقياً فيما يتعلق بالأحداث العادية كمشاكل العمل.

لكن الأحداث الكبيرة التي تخلِّف صدمات حادة لا يمكن التعامل معها من هذا المنطلق وبهذه البساطة، كما أنَّها قد تسبب وساوس وعقداً نفسية قد تؤدي إلى الاكتئاب الحاد والانتحار في بعض الحالات.

لذلك ينصح بزيارة الطبيب المختص في حال المعاناة من ذكريات مؤرقة.