حرقة المعدة، أسبابها وأعراضها وعلاجها
أغلبنا -إن لم يكن جميعنا- يعرف ذلك الشعور المزعج، حين تتناول وجبة دسمة في وقت متأخر مثلاً أو تدخن بعد الطعام ثم تذهب إلى النوم، لتشعر فجأة بنار تشتعل في صدرك وتصل حتى حلقك؛ لتمنعك من الراحة أو الاستلقاء، إنها الحرقة الهضمية الناتجة عن الحموضة، فلنتحدث بشيء من التفصيل عن آلية حدوثها.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
كيف تحدث الحرقة الهضمية؟
المحور الأساسي للمشكلة هو المري (Esophagus) وهو أنبوب عضلي يصل البلعوم بالمعدة ويمتد عابراً جوف الصدر من الأعلى نحو الأسفل، تدفع عضلات المري عن طريق حركاتها المنتظمة الطعامَ من الفم حتى المعدة وتحافظ على هذه الحركة باتجاه واحد فقط.
أما الطعام الذي يصل إلى المعدة فلا يخرج منها صعوداً في الأحوال الطبيعية بسبب ما يدعى بالمصرة المريئية السفلية (Lower Esophageal Sphincter) أو اختصاراً (LES)؛ وهي مجموعة من الألياف العضلية التي تتوضع في النهاية السفلية للمري وتبقى مغلقة في خارج أوقات الطعام لتمنع محتويات المعدة من الصعود.
أما المعدة؛ فتحوي الطعام المتناول بالإضافة إلى إنزيمات هضمية وحمض كلور الماء (HCL) وهو حمض شديد القوة، وهنا تبدأ عملية هضم الطعام بشكل فعال، تحمي طبقة من البطانة المخاطية جدار المعدة من الحمض القوي الموجود بها، أما المري فلا يحوي أي طبقة لتحميه من الحموضة، لذلك يتخرش ويصاب بالتهاب مؤلم حين تلامسه محتويات المعدة الحامضية والإنزيمات الهاضمة، وهذا ما يدعى بالحموضة الهضمية أو الحرقة.
الأسباب الغذائية أو الصحية ومسببات حرقة المعدة
الحرقة الهضمية في الواقع هي عرض لداء القلس المعدي المريئي (Gstroesophageal Reflux Disease) أو (GERD) وهو مرض يحدث حين يرتد الحمض من المعدة إلى المري، وتتضمن العوامل المهيئة لهذه الحالة كل ما قد يسبب زيادة إنتاج الحمض في المعدة، إضافة إلى المشاكل البنيوية التي تسمح بارتداد الحمض إلى الأعلى.
- بعض الحالات تحدث بسبب الطعام أو الشراب الذي نتناوله أو الأدوية التي نتعاطاها، إذ قد تحرض زيادة إفراز الأحماض المعدية مهيئة الجو لحدوث الحموضة، ومن أمثلة هذه المحرضات:
- الكحول.
- الكافيين.
- الأسبيرين (Aspirin).
- الإيبوبروفن (Ibuprofen).
- المشروبات الحاوية على الكاربونات.
- المشروبات الحامضية (كعصير البرتقال).
- المأكولات الحامضة (كالبرتقال والعنب).
- الشوكولا.
- التدخين وتناول الأغذية الغنية بالدهون: يؤثران على عمل عضلات المصرة المريئية السفلية (LES) مسببين استرخاءها وتعطيل الآلية التي تمنع الحمض من الصعود.
- الفتق الحجابي: وهو ضعف أو تمزق في جزء من الحجاب الحاجز (هو عضلة منبسطة تفصل بين جوف الصدر وجوف البطن)، ويدخل بسبب هذا الفتق جزء من المعدة ضمن جوف الصدر بدلاً من أن يكون كامل المعدة في البطن، مما يؤدي إلى تعطيل عمل المصرة المريئية السفلية. ليس من الضرورة أن يحدث القلس المعدي المريئي في جميع حالات الفتق الحجابي إذ قد يحدث الفتوق دون أي أعراض، إلا أنه عامل خطورة يزيد من احتمال القلس وبالتالي الحموضة.
- الحمل: فهو يرفع الضغط داخل البطن ويؤثر على عمل المصرة المريئية السفلية (LES).
- البدانة: من الممكن أن تسبب الحموضة بنفس آلية حدوثها في الحمل تقريباً.
- بعض أمراض المري: قد تعطي هذه الأمراض شعوراً بالحرقة في الصدر، ومن أمثلتها تصلب الجلد (Scleroderma) والداء الغرناوي (Sarcoidosis).
ما هي أعراض الحرقة الهضمية؟
كما أسلفنا؛ فالحموضة هي عرض وليست مرضاً، أما المرض فهو داء القلس المعدي المريئي (GERD)، إذ يصعد الحمض من المعدة إلى المري محدثاً تهيجاً وشعوراً بالحرقة والألم، قد يتوضع الألم خلف عظم القص (Sternum) (عظم القص هو العظم الذي يمتد بشكل طولاني في منتصف الصدر ويفصل الأضلاع اليمنى عن اليسرى في الأمام)، قد يشبه هذا الألم الشعور بالاحتراق أو قد يحدث ألم حاد شديد في الصدر؛ مما يدفع بعض الأشخاص للشك بأنهم أصيبوا بنوبة قلبية.
قد يبقى الألم متوضعاً في نفس المكان، أو قد ينتشر إلى أسفل الصدر أو سقف الحلق، وقد يترافق مع الشعور بطعم مر في الفم، وإذا وصل الحمض إلى الأسنان قد يحدث تآكلاً في مينا الأسنان.
إذا وصل السائل إلى الحنجرة، قد تحدث نوبات مفاجئة من السعال الشديد وتترافق مع خشونة في الصوت، وتميل هذه الأعراض إلى الاشتداد بعد تناول الوجبات الدسمة، إضافة إلى الانحناء نحو الأمام أو الاستلقاء على الظهر، ولا يخف الألم إلا في حال الجلوس منتصباً؛ مما قد يوقظ المريض من نومه.
مخاطر الإصابة المتكررة بحموضة أو حرقة المعدة
بالرغم من كونها عرضاً شائعاً يعرفه الجميع، لكن الحموضة قد تؤدي إلى العديد من المضاعفات إن تم تجاهلها، فالتخريش المتكرر للمري قد يؤدي إلى حدوث قرحات، وهي مناطق من التخرب النسيجي بسبب الحمض تشابه القرحة المعدية في بعض الخواص، وقد تنزف محدثة ألماً شديداً وإقياءً مدمى.
علاوة على ما سبق، فالندوب المتكررة التي تصيب المري، وإعادة ترتيب الخلايا بعد التخرب يغير نوع الخلايا التي تبطنه، مما يحدث شكلاً يدعى مري باريت (Barrett’s Esophagus)؛ وهي حالة تزيد من خطورة الإصابة بسرطان المري.
ها قد تعرفنا على طبيعة الحموضة المعدية وأسبابها وأعراضها، فلنتحدث عما يمكن أن نفعله في حال حدوثها لنا.
هناك علاجات مختلفة للحرقة المعدية
1- العلاج الطبيعي
يتم باتخاذ خطوات لتغيير نمط الحياة، ومن هذه الخطوات:
- وزع طعامك اليومي على عدد كبير من الوجبات وتناول كمية قليلة في كل منها؛ حتى لا تملأ معدتك بسرعة وتصعد بعض محتوياتها.
- تجنب تناول الطعام قبل النوم.
- تجنب تناول الكحول والمشروبات الحاوية على الكافيين، وتعاطي الأدوية المسببة للحرقة كالأسبرين والبروفن.
- توقف عن التدخين.
- اجعل رأسك أعلى من مستوى جسدك عند النوم لتستفيد من قوة الجاذبية في إبقاء محتويات المعدة داخلها ومنعها من الصعود.
2- العلاج الدوائي
يعتمد بشكل أساسي على مضادات الحموضة التي غالباً ما يتم تناولها بعد الوجبات أو قبل النوم، أو عند الشعور بالحاجة لتناولها، وهي أدوية متنوعة في آليات عملها وفعاليتها إلا أنها بشكل عام تعمل على تخفيض الإفراز الحمضي للمعدة، أو تقوية عمل المصرة المريئية السفلية لمنع ارتداد محتوياتها.
3- العلاج الجراحي
ويلجأ إليه في الحالات التالية:
- عندما لا يجدي العلاج الطبيعي ولا الدوائي نفعاً في تخفيف أعراض الحرقة الهضمية.
- في حالات مري باريت؛ إذ قد يكون المريض في خطر للإصابة بالسرطان في حال إبقاء الوضع على حاله.
- عندما يكون القلس شديداً إلى درجة إحداث سعال وخشونة صوت أو إتلاف الأسنان مثلاً.
هناك العديد من التقنيات المستخدمة في جراحة تصحيح القلس، إلا أن أشيعها تعتمد على إحداث ما يعرف بالصمام الفيزيولوجي الجديد، ذلك عند طريق خياطة الجزء العلوي من المعدة أو تضييق الحجاب الحاجز عليها؛ بغية إنشاء آلية إضافية تزيد المقاومة وتقي من حدوث القلس وبالتالي الحرقة.
ختاماً.. ينبغي أن نشدد على أهمية العلاجات الطبيعية في تخفيف أعراض الحرقة، ولا سيما تخفيض الوزن وعدم تناول وجبات دسمة قبل النوم، إذ لا يجب إهمال عرض كالحموضة الهضمية أو التهاون في التعامل معه بالرغم من كونه شائعاً إلى حد بعيد، إذ قد يكون مقدمة للعديد من المشاكل والمضاعفات الخطيرة.