تاريخ مصر القديم وعصر الدولة الفرعونية القديمة

  • بواسطة: بابونج تاريخ النشر: الأحد، 24 نوفمبر 2019 | آخر تحديث: الإثنين، 14 فبراير 2022
مقالات ذات صلة
عادات رمضان... بين الكلاسيكية القديمة والعصرية الحديثة!
عودة صيحات الموضة القديمة بلمسة عصرية
تاريخ المجوهرات الذهبية: من العصور القديمة إلى الحديثة

لا بد قبل الخوض في التفاصيل المتعلقة بتاريخ مصر الفرعونية أن نتوقف مع تقسيم المؤرخين لهذا التاريخ، حيث اعتمد المؤرخون على التقسيم الذي قدمه المؤرخ المصري مانيتون الذي قام بإعداد كتاب عن تاريخ مصر القديمة بناءً على طلبٍ من الملك بطليموس الثاني سنة 286 قبل الميلاد، ولم يصلنا من هذا المؤلف إلَّا المقدمة والفهارس التي اعتنت بتقسيم تاريخ مصر الفرعونية تبعاً للأسر الحاكمة فكانت ثلاثين أسرة.

فاعتمد معظم المؤرخين هذا التقسيم حتى يومنا هذا، حيث تبدأ الأسرة الأولى حكمها لمصر مع الملك مينا أو ماني الذي قام بتوحيد مصر الوجه البحري مع مصر الجنوبية حوالي 3200 قبل الميلاد.

تقسيم تاريخ مصر القديم

لا يوجد خلافات كبيرة بين الباحثين فيما يتعلق بتقسيم التاريخ المصري القديم، حيث يتألف هذا التقسيم من عنوانين رئيسيين لكل منهما تقسيمات فرعية كالآتي:

1. العصر القديم

  • عصور ما قبل التاريخ حوالي 5000 ق.م.
  • عصر ما قبل الأسرات هو العصر الذي تشكلت به الإمارات المصرية واتحدت وانفصلت حتَّى القرن 32 قبل الميلاد.

2. عصر الأسرات

وهي ثلاثون أسرة وفقاً لتقسيم مانيتون السمنودي، كما تم تقسيم هذه المرحلة إلى خمس مراحل رئيسية:

  1. عصر الأسرات المبكر (حوالي 3200 حتَّى 2686 ق.م)، الأسرتين الأولى والثانية.
  2. عصر الدولة القديمة (2686 حتَّى 2181 ق.م)، من الأسرة الثالثة إلى الأسرة السادسة.
  3. عصر الدولة الوسطى (2181 حتَّى 1567 ق.م)، تشتمل الدولة الوسطى بدورها على ثلاثة عصور مختلفة حكمت خلالها الأسرات من السابعة حتَّى السابعة عشرة، وانتهت هذه الفترة فعلياً مع طرد الهكسوس من مصر على يد مؤسس الأسرة الثامنة عشرة.
  4. عصر الدولة الحديثة (1567 حتَّى 1085ق.م)، يشمل الأُسر من 18 إلى 20.
  5. العصر المتأخر الذي يبدأ مع الأسرة الحادية والعشرين سنة 1085 ق.م حتَّى الأسرة الثلاثين التي انتهى حكمها بغزو الفرس لمصر سنة 341ق.م، وهناك من يعتبر أن الفرس هم الأسرة 31.

ويستمر الدكتور الأنصاري في كتابه (المجمل في تاريخ مصر) بتعداد الأسر حتى الفترة الحالية، فبلغ عدد الأسر عنده خمس وأربعين أسرة آخرها الأسرة الجمهورية، لكننا في مادتنا هذه سنسير معكم من عصر ما قبل الأسرات حتَّى نهاية عصر الدولة القديمة مع صعود الأسرة السابعة إلى الحكم.

وهذه الفترة هي فترة توحيد مصر وفترة ابتكار الأهرامات واللغة الهيروغليفية والتقويم المصري والكثير من الإنجازات السياسية والاجتماعية في الدولة المصرية القديمة.

مصر في عصر ما قبل الأسرات

كانت مصر مؤلفةً من عدة إمارات منفصلة عن بعضها أخذت تتحد تدريجياً حتَّى نتج عن هذا الاتحاد نشوء مملكتين عظيمتين، إحداهما في الوجه القبلي والأخرى في الوجه البحري، اتحدتا وانفصلتا وخاضتا حروباً ومعارك إلى أن اتحدتا بشكل نهائي ما شكل بداية عصر الأسرات.

وكانت مملكة الوجه البحري نتيجة اتحاد مملكة الغرب وعاصمتها بحدت (بالقرب من دمنهور) مع مملكة الشرق وعاصمتها بوصير، وبعد انضمام هذه الممالك تكونت مملكة مصر السفلى أو الوجه البحري وعاصمتها بحدت، كما كانت عاصمة مملكة الوجه القبلي نقادة (بالقرب من الأقصر حالياً).

الوحدة والانقسام بين الممالك المصرية

عرفت مصر بأرض القطرين نسبة إلى مملكة الوجه البحري والوجه القبلي، ثم كان الاتحاد بين القطرين عام 4242 قبل الميلاد، واتخذت المملكة الجديدة من مدينة أون عاصمة لها (هليوبوليس القديمة مكان عين شمس الحالية)، إلَّا أن هذا الاتحاد لم يدم طويلاً كما يذكر الدكتور ناصر الأنصاري في المرجع السابق.

انقسمت مصر مجدداً وعادت إلى سابق عهدها، فاتخذت مصر القبلية من مدينة نخب عاصمة دينية ومن مدينة نخن عاصمة سياسية (قرب اسنا حالياً)، كان شعارها زهرة اللوتس ويضع الملك على رأسه تاجاً أبيضاً، كما تم تصوير الآلهة على شكل أنثى النسر.

أما مصر الوجه البحري فقد اتخذت من (دب) و (بي) عاصمتين لها، كما اتخذت من زهرة البردي شعاراً لها وكان ملكها يرتدي تاجاً أحمراً، كما تم تصوير الآلهة على شكل أفعى.

يشير الأستاذ جيمس هنري برستد في كتابه (تاريخ مصر من أقدم العصور إلى الفتح الفارسي) إلى أن مصر الوجه البحري كانت متقدمة حضارياً أكثر من الوجه القبلي ويعود الفضل لها بوضع تقويمٍ شمسي يتكون من ثلاثمائة وخمسة وستين يوماً منذ العام 4241 قبل الميلاد، وهو من أقدم التقويمات التي وضعها الإنسان علماً أن التقويم السوري يعود إلى سنة 4750 سنة قبل الميلاد.

توحيد مصر وبداية عصر الأسرات

مرت البلاد بعد انقسامها بمرحلة من التوترات بين الدولتين المصريتين، انتهت تلك التوترات بإعادة توحيد الوجه البحري والوجه القبلي في عهد الملك مينا أو نارمر وكان ذلك بين سنة 3200 وسنة 3100 قبل الميلاد، حيث حاز هذا الملك على ألقاب كثيرة منها ملك الأرضين وصاحب التاجين.

كما يعتبر مينا الملك الذي افتتح عصر الأسرات فهو رأس الأسرة المصرية الأولى، واتخذ من مدينة (من نفر، منف بالعربية، ممفيس باليونانية) عاصمة له، واعتمر التاج الملون بالأحمر والأبيض، كما لقب بنسر الجنوب وثعبان الشمال.

العصر الثيني أو الطيني نسبة لمدينة طينة والأسرتان الأولى والثانية

وضع الملك مينا إذاً التاج ذا اللونين الذي أعلن توحيد القطرين المصريين تحت راية واحدة، وافتتح بذلك عصر الأسرات مع تأسيس الأسرة الفرعونية الأولى، حيث عرفت هذه الحقبة باسم العصر الثيني أو الطيني نسبة إلى مدينة طينة بالقرب من جرجا (سوهاج حالياً).

لكن مينا نقل مقر حكمه بعد توحيد القطرين إلى (من نفر أو منف أو الجدار الأبيض)، وهي المدينة التي أطلق عليها اليونانيون ممفس والتي تقع مكان قرية ميت رهينة (مركز الدرشين محافظة الجيزة حالياً)، وقد تميز موقع العاصمة أنه التقاء دلتا النيل بالصعيد.

إنجازات الملك مينا "الفرعون الأول"

هناك ثلاثة أسماء للملك المصري الأول؛ فهو مينا بمعنى المثبت أو الثابت، وهو نعرمر، وهو حور عحا بمعنى الصقر المقاتل، هناك جدال بين الباحثين في ما إذا كانت هذه الأسماء تدل كلها على الشخص الذي قام بتوحيد مصر، أمَّ أنها تدل على شخصين أو ثلاثة، فلا يوجد ما يدل بشكل قاطع على رجاحة أحد هذه الافتراضات.

لكن أغلب الظن أن مينا (أو منى) ونعرمر شخص واحد هو المسؤول عن توحيد مصر، تلاه في الحكم حور عحا، وهذا المتفق عليه حتَّى يثبت غيره.

عموماً.. استمر حكم منا حوالي ستين عاماً، قام خلالها بتوحيد مصر وإصدار القوانين وتشييد المعابد، كما أرسل حملات عسكرية لصد الغزوات القادمة من الصحراء الليبية، واستمر خلفاؤه بمقاومة هذه الغزوات، خلفه الملوك: حور عحا، جر، جت، دن - عج اب، سمرخت، قاعا.

الأسرة المصرية الثانية (2890 إلى 2680 قبل الميلاد)

انتهى حكم الأسرة المصرية الأولى لأسباب مجهولة تماماً؛ سنة 2890 قبل الميلاد وانتقل الحكم إلى الأسرة المصرية الثانية، لكن لا يوجد أبداً ما يبرر هذا الانتقال كما يشير الدكتور سمير أديب في كتابه (تاريخ وحضارة مصر القديمة)، فيقول:

"لم نعرف السبب الذي جعل مانيتون يبدأ أسرة جديدة، إذ أننا لا نرى أي تغيير أو انتقال مفاجئ حتَّى في البيت المالك، فكل شيء سار في طريقه الطبيعي، سواء كان ذلك في الفن أو في التنظيم الحكومي أو ما شابه".

لكن يشير الدكتور أديب وغيره إلى احتمال وجود نزاع بين الشمال والجنوب وبين أتباع الإله حورس والإله ست؛ انتهى في عهد الملك حتب سخموي الذي يعتبر مؤسس الأسرة الثانية (معنى الاسم يشير إلى قوتين هما قوتا حورس وست).

لكن يبدو أن هذه النزاعات السياسية ذات الخلفية الدينية استمرت في عهد الفراعنة اللاحقين حتى عهد آخر ملوك الأسرة الثانية خع سخموي (معناه تجلت القوتان)، والأغلب أنَّه نجح بإطفاء هذه الفتنة بين الشمال والجنوب، كما تزوج أميرة من أميرات الشمال، وتنسب إليه المقبرة الضخمة في أبيدوس التي يرمز لها بالحرف V.

خصائص عصر الأسرات المبكر

  1. تعتبر فترة حكم الأسرتين الأولى والثانية صلة الوصل بين فترة ما قبل الأسرات وعصر الأسرات من ناحية انتقال مصر من إمارات متفرقة إلى دولة موحدة، إضافة إلى الانتقال الحضاري الذي شهدته هذه الفترة.
  2. تم تأسيس القصر الفرعوني الذي يتعدى دور السكن إلى كونه داراً للحكومة، حيث كان هناك وزير للشمال ووزير للجنوب، والفرعون يعلو الجميع بصفته الحاكم المطلق للدولة الموحدة.
  3. تم تنظيم القصر الملكي ليتضمن عدداً كبيراً من الموظفين الذين يؤدون خدمات خاصة للملك، والذين يقدمون خدامات إدارية للدولة.
  4. عرف الفن المصري تطوراً كبيراً في هذه المرحلة في الرسم والنحت، كما شهد ولادة الكتابة التصويرية التي تعرف اليوم باسم الهيروغليفية.
  5. انتهت هذه المرحلة بوصول الأسرة الثالثة إلى حكم مصر، وبدأت بذلك مرحلة الدولة القديمة التي استمرت حتَّى الأسرة السادسة.

يعرف عصر الدولة المصرية القديمة بعصر "بناة الأهرام"

بعد موت آخر ملوك الأسرة الثانية انتقل الحكم إلى الفرعون زوسر أو جسر نترخت، ومع هذا الانتقال الذي لا نعرف أسبابه بدقة بدأت مرحلة حكم الأسرة الثالثة، عرفت هذه الفترة باسم العصر المنفي نسبة إلى العاصمة منف التي بقيت عاصمة مصر طيلة هذه الحقبة.

امتدت هذه الفترة حتى انتهاء حكم الأسرة السادسة سنة 2180 ق.م لتبدأ بعدها مرحلة الاضمحلال الأولى أو العصر الوسيط الأول، وسنلاحظ عند استعراض الأسر الحاكمة في مرحلة الدولة القديمة أن حكم الأسرة المصرية الرابعة تميز بالاستقرار والازدهار بشكل كبير.

ومن الواضح أن الدولة كانت تمر بمرحلة من الرخاء والتطور السريع في مختلف مناحي الحياة، فانعكس ذلك بشكل مباشر على تطور عمارة المدافن الفرعونية، ولا بد أن نشير هنا إلى نقطة مثيرة للاهتمام؛ حيث سيلاحظ الباحث في تاريخ مصر أن أغلب الآثار التي وصلتنا من هذه المرحلة تتعلق بالمدافن والمقابر والطقوس الجنائزية؛ لذلك بنى الباحثون معظم استنتاجاتهم على مدى تطور هذه المظاهر لمعرفة تطور الحياة الفرعونية عموماً.

الأسرة الفرعونية الثالثة (2686 إلى 2613 قبل الميلاد)

أبرز فراعنة هذه الأسرة مؤسسها الفرعون زوسر الذي تم تدوين اسمه بالحبر الأحمر في بردية تورين التاريخية لتمييزه عن غيره من الحكام، حيث تميزت الدولة بعهده باستقرارها وتآلف شقيها الجنوبي والشمالي، كما استمر ذكره حتَّى بعد انتهاء حكم الفراعنة في العصر البطلمي.

لكن ما تشير إليه الأبحاث أن الفضل الأكبر في إنجازات الفرعون زوسر إنَّما يعود إلى وزيره الشاب أميحوتب، الذي كان مهندساً وطبيباً تبوأ مجموعة كبيرة من المناصب هي: أميناً لأختام الوجه البحري، الأول بعد الملك، والمشرف على إدارة القصر الملكي، كذلك المهندس، ومسجل الحوليات، وكبير كهنة أونو (عين شمس)، والنبيل الوراثي، ورئيس المثالين والنحاتين.

ثم الوزير، ومدير أعمال الصعيد والدلتا، وكبير الكهنة المرتلين للملك زوسر، وكبير الكتاب، أمَّا معنى اسمه الأصلي هو "الذي يجيء بسلام"، وكان له دور كبير في التطوير المعماري في هذه المرحلة كما سنرى لاحقاً.

مقبرة سقارة والهرم المدرج

أهم ما يميز هذه المرحلة هو بناء الأهرامات؛ لذلك عرفت بحقبة "بناة الأهرام"، حيث أمر الفرعون جسر ببناء مجموعة جنزية له في سقارة بعد أن كان قد بنى مقبرته الخاصة على طريقة أسلافه بشكل مصطبة كبيرة (95×50 متر، بارتفاع 10 متر)، فأوعز إلى وزيره أميحوتب ببناء مقبرة سقارة وهي من أهم الآثار التي وثقت تطور بناء القبور الفرعونية.

حيث لجأ المهندس والوزير الشاب أميحوتب إلى استخدام الحجارة في البناء بشكل واسع لأول مرة، وبنى هذه المقابر على شكل هرم مدرج من ست درجات وصل ارتفاعه إلى 60 متراً، تبلغ المساحة التي بنيت عليها المقابر 545 متراً، فضلاً عن مجموعة كبيرة من الممرات والسراديب التي حفرت تحت الهرم إضافة إلى المدفن الرئيسي المبني من المرمر الوردي.

الأسرة الفرعونية الرابعة (2613 إلى 2498 قبل الميلاد)

فراعنة هذه الأسرة من أكثر فراعنة مصر شهرة وهذا ما سيجعلنا نقف معهم وقفة طويلة نسبياً، فمقابرهم هي الأهرامات الكبرى الشامخة حتَّى يومنا هذا بعد أن صارعت كل الظروف عبر العصور، حيث بدأت هذه الأسرة بزواج الفرعون سنفرو من ابنة الملك حوني آخر فراعنة الأسرة الثالثة، وكانت الأميرة حتب حرس الوريثة الشرعية للعرش، فحصل سنفرو على الحكم بهذا الزواج وأسس الأسرة الرابعة.

سنفرو أرسل قواته إلى النوبة وإلى ليبيا وعادت منتصرة ومحملة بالأسرى والماشية، كما أرسل أسطوله البحري إلى لبنان ليجلب منها خشب الأرز لاستخدامه في البناء، فضلاً عن بعثاته العسكرية إلى سيناء لجلب الفيروز والنحاس.

فراعنة الأسرة الرابعة هم بناة الأهرامات

بنى الفرعون سنفرو مقبرتين له في دهشور، الأولى ما تعرف باسم الهرم المنكسر أو الهرم الكاذب، وهو التطور الثاني لبناء الأهرامات بعد هرم أميحوتب المدرج في سقارة، حيث تألف الهرم المنكسر أو الكاذب من قاعدة مربعة طول ضلعها 188,60 متر، وبنيت جوانبها بزاوية 54 درجة.

ثم بني قسم آخر فوقها بزاوية 43 درجة، ويذكر الدكتور سمير أديب في المرجع المذكور سابقاً "أنَّ الهرم المنكسر يتميز عن جميع الأهرامات المصرية بوجود مدخلين له بجهتين مختلفتين، الأول في الجهة الشمالية مثله مثل بقية الأهرامات، والمدخل الثاني هو الذي اكتشفه أحمد فخري عام 1951 في الجهة الغربية".

أما الهرم الثاني الذي بناه سنفرو فهو الصورة الأولى للأهرامات الكاملة، بناه على بعد 2 كيلومتر من الأول تقريباً وإلى الشمال منه، حيث بُني على قاعدة بلغ طول ضلعها 220 متراً وبارتفاع 99 متر، لكن الأرجح أن سنفرو دفن في الهرم الجنوبي أو الهرم المائل، فيما دفنت الحاشية الملكية إلى جوار الهرم الشمالي، كما يوجد هرم صغير إلى جوار الهرم الكاذب يطلق عليه اسم هرم الروح أو (الكا).

أهرامات الجيزة وملوك الأسرة الرابعة

هرم خوفو "الهرم الأكبر"

توفي سنفرو بعد أن حكم مصر 24سنة تولى حكمها بعده ابنه خوفو، لم يصلنا الكثير عن فترة حكم خوفو لكن عموماً يبدو أنَّه كان امتداداً لحكم أبيه، أكثر ما يميز فترة حكمه هو بناؤه لمدفنه المعروف حالياً باسم هرم خوفو أو الهرم الأكبر في الجيزة، حيث بناه على قاعدة بلغ طول ضلعها 230,4 متراً (الآن227 متر)، فيما كان ارتفاعه عند البناء 146متراً (الآن 136 متر) لكنه تعرض للتآكل عبر الزمن، والجدير بالذكر أن هرم خوفو هو الآبدة الوحيدة الباقية من عجائب الدنيا السبعة القديمة.

يُعتقد أن بناء الهرم تطلب 100 ألف عامل يعملون في أشهر الفيضان (ثلاثة أشهر تتوقف فيها الزراعة)، وقد احتاج بناء الهرم حوالي ثلاثين سنة وفقاً للمؤرخ اليوناني هيرودوت، حيث تم بناء الطريق الصاعدة لنقل الحجارة خلال عشر سنوات، فيما احتاج بناء الهرم نفسه عشرين سنة، استخدم البناؤون رافعات خشبية في رفع الحجارة من طبقة إلى أخرى.

من المؤسف أن هذه المعلومات التي يقدمها هيرودوت لا يمكن الاعتماد عليها بشكل كامل، فالفرعون خوفو لم يحكم سوى 23سنة، كما أن هيرودوت زار مصر في القرن الخامس قبل الميلاد أي بعد مضي أكثر من ألفي عام على تشييد هرم خوفو، ولم يكن يعرف لغة السكان فاستعان بمترجمين محليين، هذا ما يجعل أخباره تحتاج إلى المزيد من التحليل.

وقد أشار أبو التاريخ إلى أنَّ الهرم تم بناؤه بالسخرة، أي أنَ الملك خوفو سخَّر شعبه ليبني هذا البناء العظيم، فيما اعتبر باحثون آخرون أن هذا العمل كان بمثابة العبادة بالنسبة للمصريين، خاصة وأن العمل كان يتم في موسم الفيضان وتوقف الزراعة، لكن بين هذا وذاك يبقى بناء الأهرامات في عصر الأسرة الرابعة أهم ما يميز هذه الحقبة.

والجدير بالذكر أن هناك أهرامات صغيرة حول هرم خوفو مخصصة لدفن الحاشية الملكية وزوجات خوفو، فضلاً عن اكتشاف سفن خشبية مدفونة بالقرب من مقبرة الملك في الخمسينيات من القرن الماضي والتي سميت مراكب الشمس.

هرم الملك خفرع وأبو الهول

خفرع ابن الملك خوفو؛ حكم بعد أخيه جدف رع، كما شيد الفرعون خفرع هرمه الخاص إلى جوار هرم أبيه، وهو أصغر منه عموماً لكنه يبدو بحجمه أو أكبر من بعيد لأنه مشيد على مرتفع، ما يجعل هرم خفرع ذا قيمة استثنائية أنَّه حافظ على أجزائه كاملة بشكل جيد، وقد شُيد الهرم بارتفاع 143,5 متر (136,5 حالياً) وطول ضلع قاعدته 215,5 متر مقابل بـ 230متر لطول ضلع قاعدة هرم خوفو، ما زال محافظاً على كسائه الخارجي عند قمته، كما يحتوي الهرم على مدخلين في الواجهة الشمالية وستّ حفر لمراكب الشمس.

يعتبر تمثال أبو الهول أيضاً جزءاً من مقبرة الملك خفرع، وهو منحوت من كتلة صخرية على شكل أسد برأس إنسان يفترض أنَّه الملك نفسه مع الرموز الملكية، واعتقد اللاحقون أنَّ أبو الهول يقوم بحراسة المقابر.

الملك منقرع "منكاورع" والهرم الأصغر

حكم منقرع أو منكاورع خلفاً لأبيه خفرع، امتاز أنَّه كان أكثر عدلاً من أبيه وجده وفق ما يذكره هيرودوت، شيد منكاورع أيضاً مجموعته الهرمية إلى جانب أهرامات أبيه وجده لكن بحجم أصغر منها، حيث بلغ ارتفاع هرم منقرع حوالي 66 متراً عند تشييده (الآن 62 متر)، فيما بلغ طول ضلع قاعدته المربعة 108,5 متر مكسواً بالجرانيت وما تزال هذه الكسوة موجودة في 17مدماكاً (كتلة أو صف في بناء) من الهرم.

كما أن بناء المجموعة الجنزية (الجنائزية) للملك منقرع تمت على مرحلتين في عهده وعهد ابنه الملك شبسسكاف.

الأسرة الفرعونية الخامسة (2494 إلى 2345 قبل الميلاد)

كان من الواضح أن الإله رع أخذ يفرض نفوذه على حياة المصريين القدماء ابتداءً من عهد الأسرة الثانية متحدياً بذلك الإله حورس، كما تنازل الفرعون عن كونه إلهاً وأصبح ابناً للإله عندما أضاف إلى ألقابه لقب (سا رع) اي ابن الشمس وهو اللقب الذي أضافه خفرع مسايرة لكهنة الشمس وأتباعهم، لكن هذه السلطة المتنامية لإله الشمس رع وكهنته كانت كفيلة بإنهاء حكم الأسرة الرابعة على ما يبدو.

من المعتقد أن نزاعاً دينياً نشب؛ فأراد الفرعون (شب سس كاف) الحدَّ من سلطة كهنة الشمس، فتخلى عن اسم الإله رع في اسمه، كما أنَّه لم يشيد مقبرة هرمية في الجيزة كأجداده بل شيد تابوتاً مستطيلاً جنوب سقارة (100×75 متر بارتفاع 18 متر).

فيما تشير موسوعة تاريخ مصر عبر العصور التي قام بتأليفها الدكتور عبد العزيز صالح والدكتور جمال مختار وآخرون إلى أنّ شبسسكاف حافظ على الود بينه وبين كهنة المعابد من خلال الحفاظ على الامتيازات الممنوحة لهم، وأنَّه لم يحكم سوى أربع سنوات فقط سار فيها على نهج أبيه، وكانت أخته غير الشقيقة خنتكاوس هي الوريثة للعرش بعد وفاته، فآل الحكم إلى الأسرة الخامسة بزواج الملكة خنتكاوس من أول ملك للأسرة الخامسة الفرعون وسركاف الذي أطلق عليه لقب (اري ماعت) بمعنى محق الحق.

بنى وسركاف هرمه في سقارة على طريقة أهرامات الأسرة الرابعة لكن بحجم أصغر بارتفاع 44,5 متر (الارتفاع الحالي 22,8 متر) وطول ضلع قاعدته 70,37 متراً (الحالي63,83 متر).

لعبت الأسرة الخامسة دوراً كبيراً في تثبيت عبادة إله الشمس رع من خلال تشييد المنشآت الدينية التي أنشأها الفراعنة المتعاقبون على الحكم، حيث يُعتقد أن وسر كاف هو أول ملك شيد معبداً للإله رع على الرغم من أنَّ عبادة هذا الإله لم تكن جديدة، لكن الأسرة الخامسة هي أول أسرة حاكمة تعتبر رع إلهاً رسمياً وتدعم ديانته ورعاياه بهذا الشكل.

خصائص فترة الأسرة الفرعونية الخامسة

  • تميز جميع ملوك الأسرة الخامسة بالقوة والشهرة الواسعة، وهم: وسر كاف، ساحورع، نفراير كارع، شبسس كارع، تفر اف رع، ني وسر رع، من كاو حور، جد كارع اسسي، ونيس (أوناس).
  • تصدى ملوك الأسرة الخامسة لهجمات القبائل النوبية والليبية، كما أرسلوا قواتهم إلى جنوب فلسطين لتوسيع مملكتهم.
  • أقامت هذه الأسرة أسطولاً بحرياً مهيباً، استخدم لأغراض التجارة في فترة السلم.
  • عرفت مصر تطوراً كبيراً في شتى جوانب الحياة نتيجة الاستقرار الذي شهده حكم الأسرة الخامسة.
  • أوناس أو ونيس هو آخر فراعنة الأسرة الخامسة، حكم مصر حوالي ثلاثين عاماً، وبنى هرمه في سقارة حيث كان أول الملوك الذين نُقش في مقابرهم ما عرف لاحقاً باسم نصوص الأهرام، وهي مجموعة من التعاويذ والصلوات الدينية المقدسة التي تضمن السعادة الأبدية للفرعون الميت، والتي أصبحت من تقاليد المدافن لاحقاً.

الأسرة المصرية الفرعونية السادسة (2354 إلى 2181 قبل الميلاد)

انتهى حكم الأسرة الخامسة بهدوء، والأغلب أنَّه انتهى بموت الفرعون أوناس الذي لم ينجب وريثاً ذكراً للعرش، فانتقل العرش إلى الأسرة السادسة من خلال زواج الملك تتي من الملكة أبوت بنت أوناس، بذلك يكون الفرعون تتي هو مؤسس الأسرة السادسة، ثم خلفه أوسر كارع.

لا يوجد الكثير عن هذه المرحلة، لكن أبرز ما يميزها أن ملكاً واحداً من ملوكها حكم البلاد أكثر من ثلثي فترة حكم الأسرة كلها، كما أنَّ هذه الأسرة كانت آخر أسر الدولة القديمة.

ملوك الأسرة المصرية الفرعونية السادسة

  • سجل الملك بيبي الأول سابقة في تاريخ الفراعنة عندما تزوج من ابنة والي أبيدوس وأنجب منها ولي العهد مرنرع، ليكون بذلك أول ملك يتزوج من غير الأميرات ويعترف بنسب ابنه كولي للعهد.
  • دفن الملك مرن رع في هرم في سقارة مثل والده، وعثر على موميائه مع خصلة شعر متدلية من جانب الرأس تدل على صغر سنه أي أنه توفي شاباً.
  • الملك بيبي الثاني حكم أطول فترة في التاريخ المصري، حيث تسلم مقاليد العرش في السادسة، وحكم مصر أكثر من تسعين سنة أي حوالي ثلثي فترة حكم الأسرة السادسة.
  • ثم خلفه مرنرع الثاني لسنة واحدة، ثم الملكة نيتوكريس التي حكمت مصر سنتين انتهت معها فترة الأسرة السادسة، وانتهى معها أيضاً عصر الدولة القديمة لتدخل مصر القديمة في العصر الوسيط.

ختاماً... فعلياً أغلقت الأسرة السادسة فترة حكمها مع انهيار قوة الحكومة المركزية وتعاظم لقوة حكام الأقاليم، فكانت الدولة المصرية آنذاك منهكة إدارياً، ويعود ذلك إلى الإهمال الإداري في فترة الأسرة السادسة فضلاً عن تولي حاكم واحد لأكثر من تسعين سنة، لذلك سميت بداية العصر الوسيط بفترة الاضمحلال الأولى والتي بدأت مع الأسرة المصرية السابعة.