اليوم الدولي للغة الأم (IMLD)
لطالما كانت اللغة عبر التاريخ وسيلة التخاطب والتفاهم بين بني البشر على مر العصور والأزمان، حيث تنوعت اللغات وازدادت مع الزمن، وبات تعلم الإنسان للغات مطلوب للتواصل مع أبناء الشعوب الأخرى، لكن على الرغم من ذلك بقي لكل منا لغته الأم التي يحبها ويتقنها أكثر - ربما - من أي لغة أخرى، وإدراكاً من هيئة الأمم المتحدة ومنظمة اليونيسكو التابعة لها لأهمية اللغة الأم؛ فقد خصصت له يوماً في السنة للاحتفال به، فما هو هذا اليوم؟ وكيف يتم الاحتفال به؟ هل هناك معنى آخر للغة الأم غير ما هو متعارف عليه؟ هذا ما سنجيب عنه في هذه المقالة.
اليوم العالمي للغة الأم تشجيع على التنوع الثقافي في العالم
يحتفل العالم باليوم العالمي للغة الأم في الحادي والعشرين من شهر شباط/فبراير كل عام، حيث تقوم منظمة الأمم المتحدة ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) بتنظيم فعاليات لتعزيز التنوع اللغوي والثقافي في العالم، إضافةً إلى تشجيع الناس للحفاظ على معرفتهم باللغة الأم حين يتعلمون ويستخدمون أكثر من لغة واحدة، كما تقوم بعض الحكومات والمنظمات غير الحكومية اليوم بالاستفادة من هذا اليوم للإعلان عن سياسات لتشجيع تعلم اللغة والدعم، بدورها حددت منظمة اليونسكو عنواناً لكل يوم عالمي للغة الأم منذ اعتماده في عام 2000 حتى الآن.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
اليوم الدولي للغة الأم في عام 2016
حددت منظمة اليونسكو في عام 2016 عنواناً للاحتفال باليوم الدولي للغة الأم هو "جودة التعليم، اللغات من نتائج التعليم والتعلم".. " Quality education, language(s) of instruction and learning outcomes"، حيث أكدت اليونسكو أهمية تعليم اللغات الأم في السنوات الأولى من الدراسة، لما لذلك من أثر في تسهيل الوصول إلى التعليم، إضافةً لتعزيز العدالة بالنسبة للأقليات الذين يتحدثون بلغة مختلفة عن لغة البلد الذي يعيشون فيه، حيث يساعد تعلمهم بلغتهم الأصلية على الأقل في السنوات الدراسية الأولى في تسهيل تلقيهم للمعارف، بالتالي تحسن تحصيلهم العلمي من خلال التركيز على الفهم والإبداع، بدلاً من التركيز على التكرار والحفظ.
اليوم الدولي للغة الأم في عام 2017
حددت منظمة اليونسكو عنواناً للاحتفال باليوم الدولي للغة الأم في عام 2017 هو "نحو مستقبل مستدام من خلال التعليم متعدد اللغات".. " Towards Sustainable Futures through Multilingual Education"، حيث دعت اليونسكو الحكومات لإجراء أنشطة ترويجية للغة الأم والتعليم متعدد اللغات على المستوى القطري، كما تدعو للتأكد من أن جميع الشباب ونسبة كبيرة من البالغين، رجالاً ونساء، يتقنون تحقيق القراءة والكتابة والحساب.
اليوم الدولي للغات مناسبة لتوزيع جوائز متنوعة
جائزة اللغات (Linguapax)
يقدم معهد اللغات الإسباني الذي يقع مقره الرئيسي في مدينة برشلونة، جائزة اللغات (Linguapax) في اليوم العالمي للغة الأم، وذلك للأشخاص الذين لديهم أعمال متميزة في التنوع اللغوي والتعليم متعدد اللغات.
جائزة التراث (Ekushey)
تقدمها لجنة تراث مجموعة ألبرتا، مقرها في مدينة ألبرتا (الواقعة في كندا) منذ عام 2014، وتمنح سنوياً؛ تقديراً للأشخاص الذين يستطيعون مساعدة مجتمعهم في مجالات، مثل: (التعليم ـ العمل الاجتماعي، الخدمات المجتمعية).
جائزة الشباب (Ekushey)
تقدمها مؤسسة جاهد ماهينور (MJMF) في مدينة ألبرتا (الواقعة في كندا) منذ عام 2015، تمنح للمستفيدين، الذين يلهمون الشباب للعمل في مجالات مثل: (التعليم، الرياضة، الأنشطة الشبابية، الأدب، الخدمات المجتمعية).
شهداء اللغة الأم
اليوم العالمي للغة الأم هو يوم للاحتفال في كل دول العالم وليس عطلة رسمية، باستثناء بنغلادش التي أعلنته عطلة رسمية، كما تطلق على هذا العيد اسم (يوم الشهيد)، حيث يقوم الناس بوضع أكاليل الزهور على نصب الشهيد (مينار)، كما يشترون أساوراً من الزجاج لأنفسهم ولأقربائهم، ويتناولون وجبة احتفالية، إضافةً لتنظيم المسابقات الأدبية.
قصة اليوم العالمي للغة الأم في بنغلادش ولماذا يطلق عليه "يوم الشهيد"
قُسمت الهند في عام 1947 إلى دولتين هما: الهند وباكستان، كما تم تقسيم محافظة البنغال على أساس ديني (وفقاً للديانة التي يعبدها السكان)، فأصبح الجزء الغربي من محافظة البنغال تابعاً للهند، والجزء الشرقي تابعاً لباكستان وأطلق على هذا الجزء اسم (ايست بنغال)، لكن هذا التقسيم لم يمنع الاحتكاك والتبادل اللغوي والتجاري بين قسمي محافظة البنغال الشرقي والغربي.
بقيت الأمور مستقرة بعد التقسيم حتى عام 1948، حيث أعلنت الحكومة الباكستانية اعتبار اللغة الأردية اللغة الوطنية الوحيدة في البلاد، الأمر الذي أثار احتجاجات بين الأغلبية الناطقة باللغة البنغالية في باكستان الشرقية (الجزء الشرقي من محافظة البنغال)، فقامت الحكومة الباكستانية بحظر الاحتجاجات، وفي الحادي والعشرين من شهر شباط/فبراير عام 1952 قام طالب من مدينة دكا في القسم الشرقي من محافظة البنغال بتنظيم احتجاج يطالب بالاعتراف باللغة البنغالية، فقامت الشرطة بإطلاق النار على المتظاهرين وقتلت أربعة طلاب، حيث يتم تذكر هذه الحادثة في اليوم الدولي للغة الأم باعتبار هؤلاء الشهداء ضحوا بدمائهم من أجل المطالبة بحقهم في استخدام لغتهم الأم.
لكن الاحتجاجات لم تتوقف هنا لكنها امتدت واستمرت حتى التاسع والعشرين من شهر شباط/فبراير عام 1956، حيث اعترفت الحكومة الباكستانية باللغة البنغالية كلغة ثانية في البلاد إلى جانب اللغة الأردية، وبعد استقلال (محافظة البنغال الشرقية) بنغلاديش عن باكستان في عام 1971 أصبحت اللغة البنغالية هي اللغة الرسمية لبنغلاديش.
نصب الشهيد (مينار) بني ثلاث مرات ودُمّر مرتان
يقع نصب الشهيد مينار في مدينة دكا بدولة بنغلاديش، ويحيي النصب ذكرى المتظاهرين الأربعة الذين قتلتهم الشرطة الباكستانية في عام 1952، حيث كان هناك ثلاث نسخ من هذا النصب التذكاري:
- النسخة الأولى، بنيت في الثاني والعشرين والثالث والعشرين من شهر شباط/ فبراير عام 1952، لكن الشرطة الباكستانية دمّرته بعد أيام.
- النسخة الثانية، بنيت في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1957، لكن بناءه لم يكتمل بسبب فرض السلطات الأحكام العرفية المعروفة باسم (حالة الطوارئ)، وتم تحطيم النصب خلال حرب الاستقلال في عام 1971.
- النسخة الثالثة، بنيت في عام 1971، تتألف من أربعة إطارات من الرخام، تمثل الرجال الأربعة الذين لقوا حتفهم في الحادي والعشرين من شهر شباط/ فبراير عام 1952، وإطار مزدوج مائل يمثل أمهات الضحايا، هذا النصب لم يكن الوحيد بل جرى تشييد نصب مشابهة له في أكثر من بلد من بينها بريطانيا (لندن، أولدهام) وفي (أستراليا، سيدني).
أهمية اللغات في حياتنا
تلعب اللغات دوراً كبيراً في التواصل بين الناس، كما تعد اللغات مفتاحاً للتعبير عن الهوية، التعليم، الثقافة، ومع انتشار العولمة بشكل كبير بات عدد من اللغات مهدد بالانقراض، وفي إحصائية لمنظمة الأمم المتحدة نشرت على موقع اليوم الدولي للغة الأم تبين أن خمسين بالمئة من أصل سبعة آلاف لغة مهددة بالانقراض في غضون الأجيال القليلة القادمة، حيث أن نسبة 96% من اللغات المهددة بالانقراض يتحدث بها فقط أربعة بالمئة من سكان العالم، كما تصدرت بعض اللغات العالم الرقمي (الإنترنت والكمبيوتر) في حين باتت نصف لغات العالم مهددة بالانقراض لتزداد معها فرص انقراض ثقافتها وعاداتها وتقاليدها المرتبطة بها؛ بالتالي تبقى بعيدة عن الأجيال القادمة.
اليوم الدولي للغات من الفكرة إلى التنفيذ.. والأولوية للحفاظ على اللغات لاسيما المهددة بالانقراض
أدركت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة المعروفة اختصاراً باسم (اليونسكو) أهمية اللغات في حياتنا، فسعت لاعتماد يوم دولي للاحتفال باللغة الأم لتحقيق الأهداف التالية:
- تشجيع التنوع الثقافي والحوار بين الثقافات.
- تعزيز التعليم للجميع.
- الحفاظ على اللغات المهددة بالانقراض.
حيث حدد المؤتمر العام التابع لليونسكو في شهر تشرين الثاني/نوفمبر عام 1999 يوماً دولياً للاحتفال باليوم الدولي للغة الأم؛ هو العشرين من شهر شباط/فبراير كل عام بدءاً من عام 2000، بهدف تعزيز التنوع اللغوي والثقافي وتعدد اللغات، وفي شهر كانون الثاني/يناير عام 2006 شكّلت منظمة اليونسكو فرقة عمل خاصة باللغات والتنوع اللغوي برئاسة المدير العام لليونسكو تحت مسمى (هيئة الرصد الاستراتيجي)، بهدف دعم الجهود الرامية لتعزيز التنوع اللغوي في العالم، وتشجيع الدول لوضع سياسات وطنية وإقليمية لتعزيز اللغات من خلال الاعتراف باللغات المحلية، وتشجيع تعلمها لاسيما اللغات المهددة بالانقراض. الاهتمام باليوم الدولي للغات لم يقتصر على منظمة اليونسكو فحسب بل امتد لمنظمة الأمم المتحدة ككل، ففي السادس عشر من شهر أيار/مايو عام 2007 أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2008 (سنة دولية للغات)، ذلك بهدف زيادة الوعي بأهمية اللغة الأم، وتعزيز التنوع اللغوي والثقافي في العالم.
تعريف اللغة الأم
ظهر مصطلح "اللغة الأم" للمرة الأولى في القرن الحادي عشر أو القرن الثاني عشر في خطب رهبان الدير (الجرمانية) لتبرير استخدامهم للغة الفرنكوفونية في خطبهم، حيث عرّف قاموس أكسفورد البريطاني اللغة الأم بأنها: "اللغة التي ينطق بها الإنسان منذ سن الطفولة"، ويمكن تعريف اللغة الأم بأنها اللغة الأولى التي يتعلمها الإنسان في مرحلة الطفولة، أي: "أنها هي اللغة المحكية في منزل الطفل قبل أن يتعلم الكلام".
ووفقاً للعالم الأمريكي نعوم تشومسكي يمكن اعتبار اللغة الأم بأنها اللغة التي يتعلمها الإنسان حتى سن الثانية عشرة، بعد ذلك تصبح أي لغة يتكلم بها الطفل هي لغة ثانية، وبما أن اللغة الأم هي اللغة التي يتعلمها الإنسان في المنزل فهذا معناه أنه ليس هناك لغة أم واحدة لكل شخص، فهناك أشخاص قد يكون لهم لغتا أم، يحصل ذلك عندما يكون الوالدان من جنسيتين مختلفتين ويتحدثان لغتين مختلفتين، ففي هذه الحالة يتعلم الطفل اللغتين معاً نتيجة استعمال والداه لغتيهما للتخاطب، بالتالي يكون التنوع الثقافي سائد في البيت نفسه؛ الأمر الذي يعطي هذا الطفل ميزة على أقرانه بإتقانه لغة قد يجد أقرانه صعوبة في تعلمها.
بالمقابل قد يكون التنوع في اللغة موجود في البلد نفسه، بمعنى أن هناك لغة رسمية وهناك لغات خاصة بالأقليات، هنا قد يعاني أطفال الأقليات صعوبة في تعلم لغة البلاد الرسمية المختلفة عن اللغة التي نشأ وتربى عليها، لذا يصبح على الأهل مسؤولية تعليم أطفالهم لغة بلادهم الأصلية إلى جانب لغتهم في بلد المهجر.
في الختام.. لطالما مثّلت الأم في حياتنا المكان الآمن الذي نلجأ إليه دائماً عندما نواجه الصعاب، ربما هذا ما دفع منظمة اليونسكو لإطلاق كلمة الأم على اللغة الأولى التي يتعلمها الإنسان، على اعتبار أنها الملجأ الأول لنطقه، والكلمات الأولى التي عبر فيها عن حبه وغضبه وحزنه كانت هذه اللغة، إنها فعلاً اللغة الأم.