الزواج المتأخر ظاهرة أم ضرورة فرضتها الظروف
يقال "إن الزواج سُنة الكون"، فكما كان آباؤنا في منزل والديهم، وعندما كبروا تزوجوا، هذا هو حالنا، وإذا كان الزواج قديماً يغلب عليه السن المبكرة، فلماذا نتأخر نحن في الزواج؟ ذلك ما سنتناوله في هذا المقال، لنقف على أسباب تأخر سن الزواج ونوضح المقصود بالزواج المتأخر وأشكاله وإيجابياته وسلبياته.
المقصود بالزواج المتأخر وأشكاله
عرّف القاموس الفرنسي الزواج المتأخر على أنه زواج الشاب والفتاة في سن متأخرة، لسن الزواج المعتاد في هذا البلد أو ذاك، ويحدث ذلك بحسب القاموس الفرنسي، نتيجة ميل الشباب للسفر خارج بلادهم بغرض الدراسة أو العمل. [1]
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
كما يُطلق الزواج المتأخر على النساء والرجال، الذين يتزوجون بعد بلوغ سن 35 عاماً، فيشمل هذا النوع من الزواج 3 أشكال، تتمثل فيما يأتي: [1]
- الشكل الأول: زواج رجال كبار السن بفتيات شابات، وهو الأكثر رواجاً.
- الشكل الثاني: زواج السيدات بشبان في مقتبل العمر وأصغر منهن، وهي أقل حدوثاً من الحالة الأولى، ولا سيما في مجتمعاتنا العربية.
- الشكل الثالث: زواج رجال في سن الـ35 بسيدات بلغن الـ35 أو أكثر.
أسباب تأخر سن الزواج
هناك عدة أسباب تدفع الرجال والنساء للتأخر في الزواج، ويمكن أن نجملها فيما يأتي: [1]
1. الزواج المتأخر للرجال: غالباً ما ينشغل الرجل بالدراسة، وبعد ذلك يعمل على بناء نفسه لتوفير متطلبات الزواج، فريثما تتوافر هذه المتطلبات يكون الشاب قد بلغ سن الـ35 أو أكثر، حينها قد يفكر في الزواج، وقد لا يفكر به، ولا سيما بعد أن اعتاد العيش لوحده، فعلى سبيل المثال، يقول عالم الاجتماع جمال المغربي إن هناك عوامل عديدة تدفع الشباب للتردد في الزواج بالمغرب، ومنها ما يأتي: [1]
- الدراسة لفترة طويلة.
- ارتفاع مستوى المعيشة.
- صعوبة تأمين المسكن، فعلى سبيل المثال يقول المواطن المغربي مهدي: "إذا كان لي راتب جيد، أنا لن أتردد ثانية واحدة في الزواج، فالاستقرار العاطفي لا يمكن أن يوجد خارج إطار الزواج، لمدة 3 سنوات، وأنا لم أعد أقبل علاقات عابرة".
2. الزواج المتأخر للبنات: الأمر لا يختلف كثيراً، إذ يفضلن بناء أنفسهن بالدراسة والعمل، على اعتبار أن ذلك يحقق لهم حظوظاً أكثر في زواج مناسب، وما بين عرض زواج وآخر يسود لدى البنات التوتر، فغالباً ما يجعلهن مترددات في قبول الزواج، إما خوفاً من مستقبل العلاقة، أو قلقاً من الشخص المتقدم بطلب الزواج.
متوسط عمر الزواج في الدول العربية
أثبتت دراسة قام بها المعهد الفرنسي للشرق الأدنى، وتحديداً العالم الفرنسي فرانسوا دو بيل إير حول الزواج في الدول العربية في عام 2005، منشورة في كتاب عنوانه (صانعو الزفاف في الشرق الأوسط) عام 2010، لكن تفاصيل الدراسة نشرها موقع بوك إديسون الفرنسي، إذ اقتصر المعهد على ذكر اسم الدراسة في الكتاب، من دون عرض تفاصيلها.
وتفيد الدراسة بأن بعض الدول العربية كالمملكة العربية السعودية واليمن ومصر حافظت على معدل زواج الفتيات في حدود سن الـ22، وفي البحرين والإمارات العربية المتحدة والأردن؛ وصل سن الزواج لدى البنات إلى ما بعد سن الـ25، وأصبح سن الزواج لدى الرجال 30 عاماً.
إيجابيات وسلبيات الزواج المتأخر
يحقق هذا النوع من الزواج إيجابيات، كما له سلبيات، وتبقى المفاضلة بين الأمرين هي مقياس القرار الصائب في هذا الأمر. [2]
إيجابيات الزواج المتأخر
يوفر الزواج المتأخر إيجابيات عديدة للمتزوجين من الرجال والسيدات على حد سواء، منها ما يأتي: [2]
- زواج طويل الأمد: يكون الرجل والمرأة في الزواج المتأخر أكثر وعياً وإدراكاً للمسؤولية من الزواج في سن مبكرة، مما يقلل المشاكل المحتملة بين الزوجين، وبالتالي يطيل عمر الزواج.
- مشاكل أقل في الحياة الزوجية: تقل عند الرجل والمرأة في الزواج المتأخر القرارات التي تشكل خطراً على الزواج (كترك العمل للبحث عن عمل جديد وتضخيم مشكلة ما بين الزوجين تصل لحد ترك المنزل وطلب الطلاق).
- الدخل الثابت: استقرار الوضع المالي للزوجين في الزواج المتأخر، إذ يكون المتزوجون غالباً أمنّوا عملاً يوفر لهم دخلاً ثابتاً، بدلاً من أن يقضوا وقتهم في البحث عن عمل، فيما لو تزوجوا في سن مبكرة.
- تربية ناضجة للأطفال: الزواج المتأخر يسمح للزوجين، ونتيجة خبرتهم في الحياة، بالتعامل بشكل ناضج مع أطفالهم، ابتداءً بتحديد عدد الأولاد، مروراً بتربيتهم وتعليمهم، وانتهاءً بحل مشاكلهم بحكمة وروية.
- السعادة والاستقرار: يسمح التأخر في الزواج للرجال والنساء أن يعيشوا مرحلة شبابهم كاملة، ويحققوا كل طموحاتهم، بعيداً عن سياسة "حرق المراحل" أي (الزواج والدراسة والعمل معاً)، وبذلك يتحول هذا النوع من الزواج إلى استراحة للشاب والفتاة، ليتمكنا من بناء حياتهما الزوجية بسعادة وحب، بعيداً عن ضغوط الحياة.
وكل هذه الإيجابيات، كما ذكرها موقع فاميلي الفرنسي تحت عنوان مزايا وعيوب الزواج المتأخر، وذكرنا منها ما هو أقرب لتفسير تأخر البعض في خطوة الزواج.
الزواج المتأخر يحافظ على الرشاقة
نصحت دراسة أجراها ريتشارد ألن ماتش لصالح مجلة الصحة والسلوك الاجتماعي في الولايات المتحدة الأمريكية في عام 2015، بالزواج المتأخر كوسيلة للحفاظ على الصحة، ووصلت الدراسة إلى نتيجة مفادها، أن المتزوجين قبل إنهاء دراستهم الجامعية سيكونون أكثر ميلاً لتناول الطعام وأقل ممارسة للرياضة ممن يتزوجون في مراحل لاحقة. [2]
ووجدت الدراسة احتمالاً يقول إن نسبة 50% من أسباب السمنة يمكن أن يتسبب بها الزواج، قبل الانتهاء من الدراسة الجامعية ومتابعتها بعد الزواج، مضيفة أن الزواج بعد التخرج يجعل الشباب والفتيات أكثر استعداداً للتعامل مع المشاكل التي قد تطرأ في الحياة الزوجية من الذين يتزوجون خلال أو قبل انتهاء المرحلة الجامعية. [2]
سلبيات الزواج المتأخر
يسبب الزواج المتأخر وفق الموقع الفرنسي المذكور سلبيات عدة للمتزوجين من أبرزها ما يأتي: [2]
- مشاكل الاستقلالية: نزوع الرجل والمرأة للاستقلالية التي تعودوا عليها لفترة طويلة من حياتهم، وبالتالي صعوبة التكيف مع متطلبات الحياة الزوجية، التي تتطلب التنازل عن بعض الاستقلالية لضمان استمرارية الأسرة.
- مشاكل الإنجاب: يضع هذا النوع من الزواج قيوداً على القدرة على الإنجاب، فقد يتمكن الزوجان من إنجاب طفل واحد، أو لا يتمكنون من ذلك، حيث يقول أحد الناس في استطلاع أجراه موقع السنغال ويب: "إن الإنجاب في وقت متأخر قد يخلق مشاكل للمرأة، كما أنها قد لا تتمكن من الإنجاب إن تجاوزت سن الأربعين"، فيما قال شخص آخر: "إن الأطفال في الزواج المتأخر غالباً ما يحرمون من الأجداد".
- مشاكل العلاقة مع الأبناء: هناك فروق كبيرة بين الوالدين والأبناء، ما قد يُسبب صراعاً بين الأجيال، وصعوبة في التعامل بين جيلين مختلفين.
الزواج المتأخر يزيد نسب الطلاق
أثبتت دراسة أجراها موقع الصحة العاطفية الفرنسي عام 2015 في الولايات المتحدة الأمريكية، إن معدلات الطلاق تزداد في الزواج المتأخر (أي بعد سن 30 عاماً)، حيث تكثر الأنانية ويقل الميل لتقديم تنازلات لإنجاح العلاقة الزوجية. [2]
إذ فسر الباحثون ارتفاع معدلات الطلاق في حال الزواج بعد الثلاثين (32-35 فما فوق) على عكس ما كان شائعاً في السابق حول استقرار العلاقة الزوجية على أثر زواج متأخر. [2]
كما توصلت دراسة أخرى أجراها معهد الدراسات السكانية في الولايات المتحدة الأمريكية، إلى أن معدل الزواج المثالي يكون بين سن 20-30 عاماً، فأقل من 20 وأكثر من 30 يزداد معدل الطلاق. [2]
واستندت الدراسة إلى تحليل بيانات للأسر الأمريكية خلال الفترة بين عامي 2006 و2010، إذ أظهرت النتائج أن كل سنة يتأخر فيها الزواج بعد سن الـ32 يزيد احتمال الطلاق بنسبة 5%، وكل سنة يقل فيها الزواج عن سن 32 يقل احتمال الطلاق بنسبة 11%. [2]
وقد لاحظنا أن معظم الدراسات التي اعتمدها هذا المقال تمت في مجتمعات غربية، أو أجرتها جهات بحثية أجنبية في بعض الدول العربية، وعموماً لم نعثر أثناء بحثنا في موضوع الزواج المتأخر؛ عن إحصائيات عربية رسمية أو موثوقة حول علاقة هذا الزواج بارتفاع نسب الطلاق عربياً، أو الفرق بينه وبين ارتفاع معدلات العنوسة في الوطن العربي. [2]
في الختام، يمكن تلخيص حاجة كل منا للزواج بكلمات الآية الكريمة "المال والبنون زينة الحياة الدنيا"، إذ إن بناء أسرة نفتخر ونعتز بها ونديرها بالطريقة التي نراها مناسبة بعيداً عن الضغوط أهم ما نملك في الدنيا بعد آبائنا وأمهاتنا، على ألا يكون الزواج مجرد احتياج نقبل عليه هرباً من العنوسة، فالزواج مؤسسة اجتماعية وشراكة بين طرفين تستحق التفكير العميق.