الحناء في اليونسكو: كيف أصبحت رمزاً للهوية الثقافية العربية؟

  • تاريخ النشر: منذ 6 أيام
مقالات ذات صلة
علامة ‫‬كلوي رمزا للأنوثة
الحناء
سيسلي تايسون رمزاً للموضة على مدار ستة عقود

الحناء ليست مجرد صبغة تُستخدم في المناسبات، بل هي جزء من ثقافة عميقة تعكس التاريخ والجمال والتقاليد العريقة للعالم العربي. وفي خطوةٍ تاريخية، أدرجت منظمة اليونسكو الحناء في قائمة التراث الثقافي غير المادي للبشرية، لتأخذ مكانها جنبًا إلى جنب مع عناصر أخرى تمثل عمق التراث العربي.

فيديو ذات صلة

This browser does not support the video element.

فما الذي يجعل الحناء أكثر من مجرد تقليد؟ ولماذا حظيت باهتمام عالمي بهذا الشكل؟ في هذا المقال، نغوص في تاريخ الحناء وأثرها الثقافي والاجتماعي، مع تسليط الضوء على إنجاز إدراجها في قائمة التراث الثقافي غير المادي.

إدراج الحناء في قائمة اليونسكو: تقدير عالمي لتراث عربي مشترك

في ديسمبر 2024، أُدرِجَت الحناء رسمياً ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي لليونسكو، في خطوة تسلط الضوء على هذا الفن التقليدي باعتباره جزءاً لا يتجزأ من الهوية الثقافية العربية. جاء هذا الإنجاز بعد جهود مشتركة امتدت على مدار أكثر من عام ونصف، شاركت فيها 16 دولة عربية، أبرزها الإمارات والمغرب والسعودية. اجتمعت هذه الدول لتقديم ملف موحد يبرز الطقوس المرتبطة باستخدام الحناء، بدءاً من الزينة الشخصية وصولاً إلى الاحتفالات الاجتماعية، مما جعل الحناء رمزاً فريداً يعكس التنوع الثقافي والاجتماعي في العالم العربي.

وقد أوضحت هيئة التراث أن للحناء معاني ثقافية متعددة، تُمثل جزءاً أساسياً من التراث العربي المشترك. من أبرز هذه المعاني:

  • تراث اجتماعي يعزز الروابط الاجتماعية: جلسات الحناء تجمع بين العائلات والأصدقاء في مناسبات مختلفة، مما يقوي الروابط الاجتماعية ويعزز الألفة والاحتفال بالمناسبات السعيدة.
  • رمز ثقافي يحمل دلالات الفرح والتفاؤل: تُعتبر الحناء رمزاً للبهجة والفرح، وتُستخدم في المناسبات السعيدة مثل الأعراس والأعياد، مما يضفي طابعاً من التفاؤل على تلك اللحظات.
  • فن متوارث تتقن النساء نقوشه وتتناقله الأجيال: يُعد فن نقش الحناء من الفنون التقليدية التي يتم تمريرها عبر الأجيال. تتقن النساء فنون النقش المختلفة، ويُعتبر هذا التقليد جزءاً من هوية ثقافية تُحافظ عليها الأجيال الجديدة.

جهود عربية مشتركة لحماية التراث

يمثل إدراج الحناء على قائمة التراث الثقافي غير المادي إنجازاً يعكس التعاون بين الدول العربية، حيث عمل الخبراء في هذه الدول على إعداد ملف شامل يتضمن التقاليد المرتبطة بالحناء، مثل طرق تحضيرها، وأساليب نقشها، والمعاني الثقافية المرتبطة بها. كما أُبرزت أهمية الحناء في توثيق الهوية الثقافية وتعزيز القيم المشتركة بين المجتمعات المختلفة، مما يعزز من دورها كجسر يربط بين الماضي والحاضر.

هذا التعاون بين الدول العربية يعكس وعياً مشتركاً بأهمية توثيق التراث وحمايته من الاندثار، كما يسهم في تعزيز حضور التراث العربي على الساحة العالمية، وإبراز العناصر الثقافية التي توحد المجتمعات العربية، رغم اختلافها الجغرافي والسياسي.​

من الجدير ذكره أن ملف الحناء الذي أُدرج في ديسمبر 2024 ليس الأول من نوعه الذي تقدمه مجموعة من الدول العربية مجتمعة إلى منظمة اليونسكو. سبقه في ذلك ملفات أخرى تعكس ثراء التراث الثقافي العربي وتنوعه، منها إدراج الخط العربي في عام 2023 كفن قائم بذاته يعكس الجمال والتعبير الإبداعي، وملف نخيل التمر الذي أُدرج في عام 2019، ويبرز المعارف والتقاليد المرتبطة بزراعة النخيل وإنتاج التمور في العالم العربي.

أهمية إدراج الحناء في قائمة اليونسكو

إدراج الحناء ضمن قائمة اليونسكو ليس مجرد تكريم لممارسة شعبية، بل هو اعتراف عالمي بالدور الذي تلعبه الحناء في تعزيز الهوية الثقافية والحفاظ على التراث الحي. الحناء توحد مختلف المجتمعات من جميع الأعمار والخلفيات، وتجسد التنوع الثقافي والإنساني. كما أن هذا التسجيل يعد فرصة لتسليط الضوء على الممارسات الاجتماعية والجمالية المرتبطة بالحناء، مما يعزز التواصل بين الشعوب، ويشجع على تبادل الخبرات الثقافية​.

كما أن إدراج الحناء ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي يتيح فرصة ثمينة للحفاظ على هذا التقليد وتوثيقه للأجيال القادمة. كما يعزز من مكانة التراث العربي على الساحة الدولية، ويبرز أهمية الحناء كأحد عناصر الثقافة الإنسانية التي تعزز التواصل بين الشعوب. يُعد هذا الإدراج خطوة هامة نحو حماية التراث الثقافي غير المادي ودعم استمراريته، في ظل التغيرات الاجتماعية والثقافية التي يشهدها العالم.

أهمية الحناء للدول العربية: أكثر من مجرد تقليد

الحناء ليست مجرد وسيلة للتجميل، بل هي عنصر يحمل أبعاداً اجتماعية وثقافية عميقة. يعود استخدام الحناء إلى آلاف السنين، حيث كانت تُستخدم في مناسبات الفرح والاحتفال مثل حفلات الزفاف والأعياد، وأيضاً في الطقوس الدينية، مما جعلها جزءاً من الموروث الثقافي الذي ينتقل عبر الأجيال. وقد ساهم تسجيل الحناء في تعزيز أهمية هذا التقليد والحفاظ عليه من الاندثار، مع توفير منصة دولية للتعريف بجماليات هذا الفن وأهميته الثقافية. فيما يلي أبرز أوجه أهمية الحناء في العالم العربي:

1. رمز للتراث والهوية الثقافية

الحناء جزء لا يتجزأ من الهوية العربية، حيث تُستخدم في مختلف المناسبات الاجتماعية والدينية، مثل حفلات الزفاف، والأعياد، والاحتفالات الدينية. تمثل الحناء تعبيراً عن الجمال والفرح، كما ترتبط بتقاليد متوارثة تعكس الترابط بين الأجيال، وتوحّد الشعوب العربية في ممارسات ثقافية مشتركة، ما يجعلها رمزاً حياً للأصالة والتراث.

لطالما ارتبطت الحناء بالمرأة العربية، حيث أصبحت رمزاً للفرح والجمال. تُستخدم الحناء لتزيين اليدين والقدمين في المناسبات السعيدة، مثل حفلات الزفاف والولادة والأعياد. كما تحمل الحناء رمزية خاصة، فهي تعبر عن الفرح، وتُعتبر طقساً احتفالياً يجمع الأجيال معاً، مما يعزز من الروابط الاجتماعية والعائلية. وهذا يجعل الحناء أكثر من مجرد تقليد، بل هي جزء من الهوية النسائية التي تعبّر عن الجمال والأنوثة بطريقة فريدة.

2. تعزيز الروابط الاجتماعية

تُعتبر جلسات الحناء جزءاً محورياً من التقاليد الاجتماعية في العديد من الدول العربية. في هذه الجلسات، التي تقام غالباً في المناسبات المهمة مثل الزواج والولادة، يجتمع الأهل والأصدقاء في جو من الفرح والبهجة، يتم خلالها تبادل الأحاديث، والذكريات، والمشاركة في الاحتفالات، مما يعزز من الروابط الأسرية والمجتمعية. الحناء، إذاً، لا تقتصر على كونها مجرد زخرفة على اليدين، بل هي وسيلة لخلق أجواء من الألفة والمودة بين الأفراد، مما يجعلها طقساً مهماً للاحتفاء باللحظات السعيدة وتعزيز الترابط الاجتماعي.

3. دور اقتصادي وثقافي

تلعب الحناء دوراً اقتصادياً هاماً في بعض الدول العربية، حيث تُعتبر مصدر دخل رئيسي للعائلات الريفية التي تعتمد على زراعتها وبيعها، مثل اليمن، الهند، والسعودية، وتُعد الحناء من المحاصيل التقليدية التي تُزرع في المناطق التي تمتاز بالطقس الحار والجاف. كما أنَّ الفنانين والحرفيين المتخصصين في نقوش الحناء يمثلون جزءاً من الاقتصاد المحلي، حيث يعرضون مهاراتهم في الأسواق، ويقومون بتزيين أجساد الأفراد في المناسبات الاجتماعية مقابل أجر.

من خلال تصاميمهم الفريدة، يسهم هؤلاء الفنانون في نقل التراث الثقافي من جيل إلى آخر، مما يضمن استمرار هذه الحرفة التقليدية مع تطور العصر. هذا الربط بين الفن والاقتصاد يعكس دور الحناء كعنصر ثقافي يعزز الهوية الاقتصادية والاجتماعية في المجتمعات العربية.

4. ممارسات علاجية وتجميلية

إلى جانب دورها الجمالي البارز، تلعب الحناء دوراً مهماً في الطب الشعبي، حيث تُستخدم في علاج العديد من المشاكل الصحية. يعود استخدامها في الطب التقليدي إلى قدرتها على علاج الأمراض الجلدية مثل الأكزيما والطفح الجلدي، نظراً لخصائصها المضادة للبكتيريا والفطريات. كما يُعتقد أن الحناء تساعد في تخفيف آلام الرأس والصداع من خلال استخدامها في علاج فروة الرأس، حيث يُعتبر استخدامها على الشعر مهدئاً ومريحاً.

تعتبر الحناء أيضاً علاجاً طبيعياً لتعقيم الجروح والتخفيف من الالتهابات بفضل مركباتها التي تمتاز بخصائص مضادة للالتهابات. تجمع الحناء بين الجمال والوظيفة الصحية، مما يعزز من قيمتها في الحياة اليومية، فهي لا تقتصر على استخدامها كأداة للزينة، بل تُعتبر جزءاً من الطقوس العلاجية التي تُحسن الصحة العامة، وتضيف لمسة من الجمال في نفس الوقت.

في الختام، الحناء ليست مجرد صبغة على الجلد، بل هي لغة تراثية تحمل في طياتها عبق التاريخ والأصالة. يمثل تسجيل الحناء في قائمة اليونسكو هو اعتراف بقيمتها الثقافية والإنسانية، وهو دعوة للاحتفاء بهذا التراث الغني، الذي يُمثل مزيجاً من الفرح والجمال والهوية، ويعزز التواصل بين الثقافات المختلفة، ليظل شاهداً على أصالة التراث العربي وعراقته.

مواضيع ذات صلة

  • الأسئلة الشائعة

  1. لماذا سميت الحناء بهذا الاسم؟
    سُمّيت الحناء بهذا الاسم نسبة إلى الكلمة العربية الحِنّاء، وهي مشتقة من الجذر حنّ، الذي يشير إلى التحنن أو التجمّل. في اللغة العربية، تعني الحناء نباتًا يُستخدم للزينة والصبغ، وقد ارتبط الاسم بطقوس الفرح والتزيين التي تحمل رمزية الحب والجمال.
  2. من اكتشف الحناء؟
    الحناء هي من أقدم النباتات التي تم استخدامها في التزيين والعلاج، ولا يُمكن تحديد من اكتشفها بشكل دقيق، لكنها كانت معروفة في حضارات قديمة مثل مصر القديمة والهند والشرق الأوسط منذ آلاف السنين. تُشير الأدلة التاريخية إلى أن الفراعنة استخدموا الحناء في تحنيط المومياوات وتزيين أجسادهم، كما كان يُستخدم في الهند القديمة كرمز للزواج والجمال.
  3. من أسماء الحناء؟
    الحناء تُعرف بأسماء متعددة في مختلف الثقافات، منها حِنّاء في معظم البلدان العربية، وميهندي في الهند وباكستان، وكينزا في بعض المناطق الأخرى. تُستخدم هذه الأسماء للإشارة إلى النبات نفسه أو الزخارف المصنوعة منه، ويختلف الاسم حسب المنطقة وتقاليدها.