التعاون وأهميته في المجتمع وقيمته في الإسلام
كلما ازدادت تعقيدات الحياة ازدادت الحاجة إلى التعاون
نشأ العالم كلُّه على مفهوم التعاون، باختلاف تسمياته، كما أنَّ التعاون تجلى بأشكال عدة، ابتداء من تكوين أولى الجماعات البشرية، وليس انتهاء بالتكتلات الاقتصادية والاتحادات الدولية.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
لذلك كان لا بد من التعرف على معنى التعاون، والتفكير بأهميته. في هذه المادة؛ سنحاول معاً تسليط الضوء على نشأة التعاون، وأشكاله، إضافة إلى قيمة التعاون في الإسلام، كما سنذكر بعض أشكال التعاون بين الدول والمجتمعات.
كلما ازدادت تعقيدات الحياة ازدادت الحاجة إلى التعاون
يعتبر مفهوم التعاون، من أقدم المفاهيم في العالم، حيث برزت الحاجة إلى التعاون، مع بداية الوجود الإنساني، عندما وجد الإنسان نفسه في مواجهة الطبيعة وظروفها.
فلجأ إلى أخيه الإنسان، في محاولة للوقوف في وجه الظروف القاسية، ومنه تشكلت التجمعات البشرية الأولى، فتجمع الإنسان في بداية الأمر في مواجهة الحيوانات المفترسة.
وفي مواجهة عجز الفرد أمام التصدي لظروف الطبيعة المحيطة، ثم تطورت هذه التجمعات مع تطور الحِرف والصناعات، ليصبح التعاون على تأمين مختلف أنواع المنتجات.
كما شهد العالم تعاون أفراد الجماعة الواحدة، بمواجهة جماعة أخرى، ثم اتحاد الجماعات في مواجهة جماعات أخرى متحدة، وكلما ازدادت تعقيدات الحياة، كلما برزت الحاجة إلى التعاون أكثر، هذا ما سنبحث فيه بالتفصيل.
ما هو معنى التعاون في اللغة العربية والإنجليزية؟
في معجم مختار الصحاح للرازي، نجد أن التعاون كلمة مشتقة من (العَوْن، والمَعونَة، والإعانَة)؛ فيقال رجل مِعوانٌ، أي كثير المعونة للناس، ويقال استعانَ بِه فأعانه وعاونه، وتَعاوَنَ القوم، أي أعانَ بعضهم بعضاً.
أما التعاون باللغة الإنجليزية (Cooperation)، حسب (Oxford Dictionaries)؛ فهو الفعل أو العملية التي نقوم بها معاً للوصول إلى نتيجة أو هدف واحد (The action or process of working together to the same end).
فاللغتان تتفقان حول ماهية التعاون. كما لا يختلف معنى التعاون الاصطلاحي، عن معناه اللغوي، فالمصطلح يحمل نفس المعنى اللغوي، الذي يفيد بتضافر الجهود، للوصول إلى غاية مشتركة، أو منفعة واحدة.
غالباً لا يمكن الوصول إليها بشكل فردي.
أهمية التعاون في الإسلام
تنظر كل الأديان إلى التعاون على اعتباره من أهم القيَّم الإنسانية، التي يقوم عليها صلاح المجتمع، واستمراره، والإسلام حض على التعاون بين الأفراد والأمم، لتأمين الحياة الكريمة للجميع.
عن طريق التعاون على الخير، وتقديم المساعدة لمن يحتاجها، كما في قوله تعالى في سورة المائدة:
(وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)
كذلك في سورة الكهف، حيث يروي القرآن الكريم قصة ذي القرنين الذي تعاون مع أهل البلاد على بناء السد في وجه يأجوج ومأجوج:
(قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً، قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً، آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَاراً قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً، فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْباً).
كما تبرز قيمة التعاون في الإسلام، من مبدأ الزكاة، القائم على إنشاء حالة من التكافل الاجتماعي، التي تضمن التوازن بين أبناء الجماعة الواحدة.
فلا بد للغني أن يساعد الفقير، ولا بد للقوي أن ينصر الضعيف، حتى أن الله تعالى يذكر الزكاة بعد الصلاة في أكثر من موقع من القرآن الكريم، كما جاء في سورة النور:
(وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ )
كذلك أكد نبي الإسلام محمد(ص) على قيمة التعاضد، والتعاون بين المؤمنين، في عدة أحاديث متفق عليها، منها قوله:
(عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال، أن رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ الْمُؤْمِنَ للمُؤْمِنِ كَالْبُنيانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضَاً " وَشَبَّكَ بَيْنَ أصَابِعِهِ) أخرجه الشيخان والترمذي.
والحديث الشريف عن أبي موسى الأشعري أنَّه قال:
(قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الْأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا فِي الْغَزْوِ أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ؛ فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ) رواه البخاري.
تطور التعاون مع نمو الجماعات البشرية وتطور الحضارة
كما ذكرنا في المقدمة، فإن التعاون مفهوم قديم يعود لبداية الوجود الإنساني، لكنه ساير التطور البشري، فتشعبت أشكاله، وتعددت مناحيه.
حيث بدأ الإنسان بالتعاون الفردي مع محيطه القريب، ليتمكن من تأمين حاجاته الأساسية، أبرزها حاجته إلى الأمان، والغذاء.
ثم حاجته إلى تنوع الخبرة، واليد العاملة، كما يذكر ابن خلدون في مقدمته، حتى بدأ التعاون يأخذ أبعاداً جديدةً مع نمو الجماعات البشرية، ونشوب الحروب بينها، لتنشأ التحالفات السياسية والعسكرية.
كما أنَّ التعاون في العصر الحديث له أشكاله الفريدة أيضاً، التي بدأت مع تشكيل جماعات التعاون الطبقي، (الفقراء في مواجهة الأغنياء والعكس) منها نقابات العمال والأحزاب الاشتراكية.
إضافة إلى التكتلات الاجتماعية التي تختص بقضية اجتماعية محددة (جمعيات حقوق المرأة، جمعيات مكافحة مرض معين)، كل هذه الأشكال قائمة على مفهوم واحد، هو مفهوم التعاون.
الذي يعتمد في الأصل على غائية السلوك الإنساني، ونزوع الإنسان نحو تحقيق المنفعة، التي لا يمكن له تحقيقها وحده.
كما برزت حاجة المجتمعات لوجود الدولة، ووجود المؤسسات التي تنظم حياة المجتمع، لكنَّ هذا التنظيم أيضاً يدخل في باب التعاون المنظم، ومنه جاء العقد الاجتماعي، الذي يبحث في تنظيم هذا التعاون.
كما أنَّ التاريخ يزخر بأشكال التعاون، من إنشاء التحالفات السياسية والعسكرية، والاستعانة بالغير للتصدي للخطر، إلا أنَّ الثابت لدينا، أنَّ التعاون لا يشترط أن يكون على ما فيه الخير، أي أنَّه ليس قيمة مطلقة.
بل هو اجتماع القوى الفردية نتيجة وجود مصالح مشتركة، منها ما قد يكون في الخير، ومنها ما قد يكون في الشرّ.
فهناك الأحلاف العسكرية التي تتعاون على تدمير العالم، من تحالف دول المحور، ثم حلف وارسو سابقاً، بمواجهة قوات الحلفاء، كذلك دول حلف شمال الأطلسي.
فيما يلي سنذكر بعض أشكال التعاون بين الأمم والدول في العصر الحديث:
منظمة الأمم المتحدة (United Nations)
تأسست منظمة الأمم المتحدة كبديل عن شكلٍ آخر من أشكال التعاون العابر للقارات، حيث تم تأسيسها خلال الحرب العالمية الثانية، لتحل محل منظمة عصبة الأمم.
فكان الهدف منها إنشاء تكتل لدول العالم في مواجهة النازية وحلفائها، كما تعتبر منظمة الأمم المتحدة أكبر المنظمات الدولية في العالم الحديث.
جامعة الدول العربية
تأسست جامعة الدول العربية عام 1945، بهدف إنشاء تعاون سياسي، عسكري، اقتصادي، بين الدول العربية، فكانت القضية الأساسية في تأسيسها حركات استقلال الدول العربية، والقضية الفلسطينية.
حيث تضم الجامعة جميع الدول العربية، وتعقد اجتماعات دورية، لبحث القضايا الراهنة والمستعجلة.
مجموعة دول البريكس (BRICS)
نشأت مجموعة دول البريكس عام 2006، وهي منظمة تضم خمس دول (البرازيل، روسيا، الهند، الصين، جنوب أفريقيا)، تعتبر من التكتلات الناشئة، التي تهدف إلى أخذ حصتها من الاقتصاد العالمي.
حيث تشكل هذه الدول مجتمعة قوة اقتصادية كبيرة موازية للاتحاد الأوروبي.
مجتمع آفاز (AVAAZ)
يعتبر مجتمع آفاز من أحدث أشكال التعاون الإنساني، فهو مجتمع إلكتروني تأسس عام 2007، يضم أكثر من ثلاثة وأربعين مليون عضواً في 194 دولة حول العالم، يتفاعلون مع بعضهم عبر موقع مجتمع أفاز.
حيث يستطيع أي منهم، أن يُنشئ عريضة، تتناول قضية اجتماعية أو وطنية، سواء كانت محلية أو عالمية، يتم التوقيع عليها إلكترونياً من قبل الأعضاء، بهدف التأثير على دوائر صنع القرار.
حيث تعرّف المجموعة بنفسها (تمكِّن آفاز الملايين حول العالم من اتخاذ إجراءات حول قضايا عالمية ووطنية ومحلية، من الفساد إلى الفقر إلى النزاعات وتغير المناخ.
إنَّ نموذجنا التنظيمي عبر الإنترنت يمكِّن الآلاف من الجهود الفردية، مهما كانت صغيرة، أن تتوحد وتصبح قوة جماعية مؤثرة).
ختاماً... تأتي ضرورة التعاون من عجز الإنسان عن الوصول إلى غاياته بشكل منفرد، وسنلاحظ أنَّ التعاون يتجذر في الطبيعة الإنسانية مع مرور الزمن.
حتى في الحركات الأدبية، والثقافية، حتى في الحركة العلمية، ظهرت تجمعات كبيرة نقلت العمل الإبداعي والعلمي إلى فريق عمل جماعي، عندما أصبحت الخبرة الجماعية أمراً ضرورياً للإنجاز.