الأطفال وأحلام اليقظة
أسباب أحلام اليقظة عند الأطفال
دور الخيال في بناء شخصية الطفل
شخصيات، أماكن، ألعاب، مواقف، وطريقة حياة، أو حتى أصدقاء وأدوار اجتماعية تشبه تلك الموجودة في عالم الكبار، ينسجها طفلك ويبنيها بأدق تفاصيلها وأجمل صورها من خلال تلك المساحة الحرة التي تُدعى الخيال، أنت تتمنى في الواقع وتحلم خلال النوم، أما أطفالك فهم يحلمون ويعيشون أحلامهم خلال نومهم ويقظتهم أيضاً، فما أسباب أحلام اليقظة عند الأطفال؟ هذا ما سنجيب عنه خلال هذا المقال.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
أسباب أحلام اليقظة عند الأطفال
مخيلة الأطفال تشبه الصفحة البيضاء التي تعطيهم الفرصة ليرسموا ويصوروا كل ما يحلو لهم أو يرغبون فيه، بعيداً عن أسباب الإحباط وخيبات الأمل المتعددة المصادر في الواقع. [1]
فهذه المخيلة تسمح لهم في بناء حياة أخرى، تعج بالرغبات المشبعة والأمنيات المحققة والأصدقاء المخلصين، وفي بعض الأحيان الأعداء المنافسون، لينتهي بهم المطاف أخيراً بصياغة عالم خاص مبني أساساً من وحي الخيال وأحلام اليقظة. [1]
وهناك العديد من الأسباب التي يمكن أن تتسبب في أحلام اليقظة عند الأطفال، مثل ما يأتي: [1]
الإعجاب بشخصيات معينة
من الطبيعي أن يكون للطفل مثلاً أعلى، سواء كان شخصية حقيقة مثل والده أو أحد من أقاربه، أو شخصية خيالية مثل الأبطال الخارقين كسوبر مان وبات مان، وفي هذه الحالة يلجأ الطفل لأحلام اليقظة ليرى نفسه مثل الشخص الذي يُكن له الإعجاب. [1]
الشخصية الخجولة أو الانطوائية
إذا كان طفلك ذا طبع خجول أو شخصية انطوائية، فغالباً ما ينسج أحلاماً خيالية يتحدث فيها إلى الآخرين، ويلعب معهم ويتغلب فيها على خجله في الواقع. [1]
إشباع لرغبات صعبة يتمناها الطفل
من الطبيعي أن يكون للطفل رغبات عديدة مثل اقتناء الكثير من الألعاب أو السفر أو زيارة مدن الملاهي وغيرها، ولكن من الصعب أحياناً تحقيق تلك الرغبات سواء لأسباب مادية أو غيرها يعاني منها الوالدان. [1]
لذا يستخدم الطفل أحلام اليقظة كوسيلة لإشباع رغباته التي من الصعب تحقيقها في الواقع، فيتخيل أنه قد حقق رغباته التي يريدها بشدة في حلم اليقظة. [1]
دور الخيال في بناء شخصية الطفل
يبدو أن العالم الذي نعيش فيه ونتهيب حجمه الكبير وكثرة تفصيلاته وتعقيداته لا يزال غير قادر على إشباع ما يفكر به أطفالنا، لذا نجد كل طفل يبني عالمه الخاص ويمارس فيه كل رغباته وأفكاره ونشاطاته، بل إنه يتعلم ويجرب كل ما هو محظور وما لا يخطر على بالنا نحن الكبار. [2]
وذلك كله عبر تلك التقنية العجيبة التي تسمى "اللعب الخيالي"، حيث إن الطفل من خلال هذه الطريقة، التي طورها في اللعب يتعلم من كل شيء حوله، فيفعل ما يحلو له من تجارب، فهذه الطريقة تتيح له مثلاً: [2]
- تنمية مهارات التحليل والتركيب وإيجاد الحلول للمشاكل التي تعترضه في أثناء اللعب، فعندما يفشل مثلاً في تناول شيء وضع في مكان عالٍ ويذهب لإحضار كرسي ليقف عليه، فهو هنا يتعرف أكثر على حدود قدراته وكيفية التغلب على هذه الحدود.
- التعرف على التفاصيل في عالم الكبار وتجريب نمط معيشتهم، فلعبة (بيت البيوت) الشائعة في مجتمعنا تعطي فكرة لطفلك أياً كان جنسه عن تفاصيل الحياة الأسرية وتتيح أمامه تجربة دور الوالدين.
- يتمكن الطفل أيضاً من خلال اللعب الخيالي أن يطور مهارات التواصل والتفاهم والحوار واللغة لديه.
- من خلال اللعب الخيالي يتعلم الطفل أيضاً كيف يفكر ويخطط ويَعقِد الاتفاقات والصفقات وتظهر هذه المسألة على سبيل المثال عندما ترى مجموعة من الأطفال وهم يخططون ويتفقون ويوزعون الأدوار فيما بينهم للقيام بلعبة معينة.
- أجريت دراسة في عام 2006 حول هذا الأمر، وأثبتت أن للعب الخيالي عند الطفل فائدة في تنمية القدرة على التنظيم الذاتي والتعاطف وانخفاض مستوى الميول العدوانية.
وبذلك نكون قد أوضحنا كيف يمكن أن ينعكس ما يتعلمه الطفل من خلال الخيال على العالم الواقعي، من تجارب ومهارات وأفكار، وكيفية تطبيق الكثير من الأفكار، وكيف يمكن أن يؤثر ما يتخيله في بناء شخصية الطفل وأسلوب تصرفه أو تفاعله مع المواقف المختلفة. [2]
الخيال نشاط ملهم ومحفز للإبداع عند الأطفال
لا نبالغ إذا قلنا إن معظم الاكتشافات والاختراعات التي غيّرت مسار التاريخ البشري، بدأت بحلم يقظة وهذا ما دفع العالم والخبير التربوي روبينسون للقول إن "الخيال هو مصدر كل الإنجازات البشرية، وهو واحد من المكونات الأساسية للإبداع والابتكار"، ومن كل ما تقدم يمكننا استنتاج أن الطفل عندما يتخيل فهو: [3]
- يؤلف حكايات وقصص شاملة في أبعادها، متكاملة في تفاصيلها، بطريقة قد تصعب على بعض المؤلفين والكتاب المخضرمين، فهؤلاء الأطفال لا يهملون أي تفصيل، ولا يتركون أي فجوة، فكل حكاياتهم وشخصياتها متعلقة بطريقة أو بأخرى بهم، ومرتبطة برغباتهم وطموحاتهم، فعندما تسمع ما يسرده طفلك من حكايات من السهل أن تلاحظ دائماً وجود شخصية عظيمة أو مظلومة عادةً ما يشبَه الطفل نفسه بها ويعبّر عما يدور في خاطره من خلالها.
- من الجيد أن تدخل مع طفلك إلى عالمه الخيالي بين الحين والآخر، فمن جهة أن الخيال ينشط الذهن بحسب بعض الدراسات، ويفتح آفاق التفكير عند الصغار والكبار، ومن جهة أخرى، فإنك تقوي الروابط العاطفية مع طفلك وتشعره باهتمامك به وبأفكاره.
- يساعد الخيال الأطفال على التعلم وعلاج المشكلات، فالطفل كلما تعرض لمشكلة فإنه يراجع مخزونة من الأفكار حول حلولها الممكنة، سواء من ذكرياته، أو من أي شيء قد سمعه من الآخرين، أو من خلال قيامه بعملية التحليل والتركيب لتفاصيل المشكلة، بهدف إيجاد الحلول، وكل ذلك عبر عمليات عقلية مجردة تمر بكل مراحل التفكير، بدءاً من تحديد المشكلة ومروراً بطرح الفرضية وتقييم الحلول والبدائل وهكذا حتى الوصول إلى تجربة هذه البدائل بأسلوب يشبه إلى حد بعيد الخطوات المنهجية في التفكير العلمي، وكل ذلك اعتماداً على مخيلته من دون الحاجة إلى الاستعانة بأي أدوات أخرى.
إذاً الخيال ليس مجرد وسيلة يتسلى بها الأطفال، إنما هو نشاط مبدع، بل وعمل خلاق يتعلم من خلاله ويبدع ويجرب، ولا نبالغ إذا قلنا إنه يبني شخصيته المستقبلية من خلاله، ولهذا دع طفلك يتخيل بل وحلق معه في أحلامه، فمن يعرف ربما كنت تساعده بذلك ليحقق نفسه في المستقبل كعالم، أو مؤلف، أو مخترع، أو مليونير، أو ربما فنان موهوب. [3]
الآثار السلبية لأحلام اليقظة على الأطفال والمراهقين
مثلما يملك الخيال الحد الأول من السيف، الذي يشق الإنسان به طريقه نحو الإبداع والنجاح، هو أيضاً السيف ذاته بحده الآخر، الذي عندما تصحبه ظروف معينة قد يذهب بصاحبه نحو الجموح والانغماس في الخيال؛ مما قد يؤدي به مثلاً إلى: [4]
- اضطرابات على المستويين النفسي والاجتماعي، فدخول الطفل وتعمقه في أحلام اليقظة والشخصيات والمواقف التي ينشئها في مخيلته، ربما يعيق تكيفه الاجتماعي وتوازنه النفسي لدرجة قد يصبح من الصعب عليه إدراك ذلك الحد الذي يفصل بين واقعه وخياله، وبالتالي خلط الأوراق في أفكاره
- قد يصل الطفل جراء هذا كما أكدت بعض الدراسات، لاندماجه تماماً مع تلك الشخصيات والأماكن التي يخلقها في خياله لدرجة تعتبر بداية لحالات الانفصام، إذ يمكن أن يبدأ الطفل مثلاً بالتعامل مع شخصياته الخيالية كأناس موجودين بالفعل يلعب معهم ويتشاجر معهم، وربما يعتقد أنه تناول الطعام معهم، ولهذا قد يرفض تناول الطعام مع أسرته
- قد تؤدي أحلام اليقظة، خاصة عند الطفل الكبير (13-15 عاماً)، للوقوع في خطأ المقارنة بين العالم المثالي في خياله والعالم الواقعي، وبالتالي إسقاط أحكام العالم المتخيل على ظروف الواقع، وهنا يقع الطفل مرة أخرى في فجوة خيبات الأمل وتحطيم الطموحات، مما قد يصيبه باضطرابات نفسية وعدم تكيّف اجتماعي مع الواقع المرفوض بالنسبة له مقارنة بالحلم المثالي، فالطفل يرى مثلاً أنه يملك السيطرة التامة على تلك الشخصيات في عالمه الخيالي، وكل شيء في هذا العالم يتجاوب مع رغباته ويسير بالطريقة التي تناسبه ولكن عند عودته إلى الواقع، فإنه يفقد هذا المستوى من السيطرة على عالمه المحيط، وبالتالي يجد نفسه مضطراً لمواجهة من هم أقوى منه أو أكثر ذكاء أو أكبر سناً ويفشل في تحديهم والسيطرة عليهم.
- يتعدى الخيال في سلبياته هذه المرحلة العمرية، فهو يفرض خطورته أيضاً على المراهقين؛ عندما نجد الذكور منهم يغرقون في أحلام اليقظة المتعلقة بطموحاتهم وأفكارهم المبالغ فيها، فقد يعتقد أنه يجب أن يكون في مكان آخر، وأن الحياة قد جارت عليه وهنا يسعى بكل الوسائل للوصول إلى ما يعتقد أنه يستحقه، فقد يهرب مثلاً من هذا الظلم المفترض نحو الانحراف، فقد يسرق لتحقيق بعض رغباته أو ربما يذهب للإدمان على أحد العقاقير، هروباً من واقعه الذي يراه بأنه دون مستوى ما يستحق.
- تغرق الفتيات في الأحلام العاطفية والرومانسية، مما يجعل منها فريسة أو صيداً سهلاً أمام كثير من ذوي النوايا السيئة والمحتالين.
دور الكبار في توجيه أحلام اليقظة عند الأطفال
بحسب جوثمان سكولير، فإن الإنسان يقضي نحو 20% من وقته شارد الذهن، وهناك من يقول إن هذه النسبة قد تصل إلى 47%، حتى توصل البعض إلى أننا نعيش نصف حياتنا غارقين في أفكارنا وأحلام يقظتنا أو طموحاتنا وآمالنا وفي التخطيط لمستقبلنا. [4]
ومما لا شك فيه أن معدل وقت الشرود والاستغراق في أحلام اليقظة يزيد كلما صغر سن الإنسان، وبالتالي يمكننا التعرف على أهمية هذه المسألة وأهمية تدخلنا لتوجيه وضبط هذه الأحلام عند أطفالنا، ويمكن تحقيق ذلك من خلال الخطوات الآتية: [4]
- شجع طفلك الذي يملك القدرة على تأليف القصص والحكايات لرواية ما يفكر به وعلمَه طريقة كتابته، وذلك بغية توظيف هذه الموهبة في اتجاهها الصحيح أولا وأبعاد الطفل عن استخدام موهبته هذه في الكذب والتضليل.
- كما يجب أن تقف بجانب طفلك دائماً وتوجهه ليتمكن من ربط ما يتخيله بالواقع الفعلي، كي يتعلم آلية التفكير المنطقي ليدرك أن هذا الخيال لا وجود له إلا في أفكاره، وأن هناك واقعاً يجب عليه التعامل معه وفصله عما يدور في مخيلته وعالمه المفترض.
- التدخل لضبط أحلام الطفل عندما تلاحظ أنه قد استغرق فيها وبدأ يخلط الأمور بين الواقع والخيال، وذلك من خلال شغل أوقات فراغه بألعاب أو أعمال مرتبطة بالواقع الفعلي، فعندما تلاحظ عليه أنه قد استغرق بأحلامه لدرجة مبالغ فيها فهنا لا بد من تدخلك بأن تطلب منه مثلا أن يلعب معك لعبة محببة بالنسبة إليه، أو تشعره بأهميته في العالم الواقعي عندما تطلب منه المساعدة في بعض الأعمال المنزلية التي يجب أن تتفق بدورها مع جنسه وميوله ومستوى ذكائه أو نظرته لنفسه.
- إعطاء الطفل الفرصة ليعبر عن ما يدور في باله من أفكار ومساعدته لفهم ما يمكن تطبيقه منها في الواقع، فعندما ترى أن طفلك يخطط لبناء بيت صغير في حديقة المنزل حاول أن تساعده في ذلك وأعطه ما يحتاج من أدوات ووجهه نحو أخطائه والطرق الأنسب لتنفيذ ما يخطط له.
لا بد إذا من تدخلنا لتوجيه خيال الأطفال ولكن يجب أن يتصف هذا التدخل بالإيجابية والمرونة فكما رأينا توجد حالات يجب فيها تشجيع أفكار الأطفال، بينما في حالات أخرى يجب التدخل لضبط هذه المخيلة وإعادة الأمور لنصابها قبل أن يصل الطفل لمراحل خطرة لا تحمد عقباها. [4]
وهناك حالات يجب أن نستخدم فيها خيال الطفل وأحلام يقظته في الإطار التربوي والتعليمي، فعندما تريد أن تزرع في طفلك أخلاقاً أو عادات معينة، تكون أحلامه هي الطريق المثالي لتحقيق ذلك، من خلال الربط المتكرر بين ما يدور في خاطره، وما يسعى إلى تحقيقه، وتلك العادة أو القيمة التي تريد غرسها في شخصيته. [4]
ومن هنا، يتضح لنا أهمية اتصاف تدخلنا بالمرونة بحسب الموقف الذي يجب التعامل معه؛ كي لا نسمح باستغراقه في هذه الأحلام من جهة، وللاستفادة من أهميتها في تربية الطفل وتشجيع إبداعه من جهة أخرى. [4]
أخيراً، تناولنا في هذا المقال أحلام اليقظة عند الأطفال بمعناها العام وأهميتها وإيجابياتها، فهي نشاط إبداعي عند الطفل، يمكن أن يساعدنا في بناء شخصيته، وكذلك استعرضنا سلبياتها وأعراض الاستغراق فيها، وكيفية تدخلنا كراشدين للاستفادة من تلك الإيجابيات لمصلحة الطفل، ومواجهة السلبيات حرصاً على سلامته النفسية والاجتماعية.