أعراض وعلاج الحصبة عند الأطفال (Measles)
كيفيّة العدوى بفايروس الحصبة ومدّة الحضانة الخاصة به
الأعراض والعلامات السّريريّة الخاصة بمرض الحصبة
المضاعفات التي تحدث في المراحل المتقدّمة لمرض الحصبة
تشخيص الإصابة بمرض الحصبة عند الطفل
سُجلت أرقام هائلة لأفراد بمختلف الأعمار أصيبوا بمرض الحصبة قبيل التّوصّل إلى لقاح مضاد له عام 1963، فقد بلغ تعداد المصابين سنوياً في الولايات المتحدة الأمريكية حوالي 3 إلى 4 مليون فرداً في العام الواحد.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
وقد انحدرت أعداد المصابين بشكل ملحوظ جداً بعد ظهور اللقاح المضاد، كما انخفضت حالات الحصبة المسجّلة في المستوصفات والمشافي بنسبة قد بلغت 99%، تابع معنا في هذا المقال لنتعرّف أكثر على العامل المسؤول عن هذا المرض، مع أعراضه السريرية وكيفية تشخصيه وعلاجه الطبيّين.
كيفيّة العدوى بفايروس الحصبة ومدّة الحضانة الخاصة به
يعتبر مرض الحصبة إنتاناً فايروسياً حاداً وسريع العدوى والانتشار من فرد لآخر، يسببه فايروس الحصبة الذي ينتمي إلى مجموعة الفايروسات المخاطانيّة (Paramyxovirus)، يصل هذا الفايروس إلى جسد الطفل السليم عبر التماس المباشر مع المرضى المصابين.
لاسيّما إذا استنشق الطفل القطيرات الخارجة مع عطاس المريض أو سعاله والمحمّلة بالعامل الممرض، كما يمكن للطفل أن يلتقط العدوى عبر لمسه بيده للسطوح المنزلية الحاوية على القطيرات الممرضة ثم نقلها إلى داخل الفم، أو حينما يفرك عينه باليد المخموجة.
تبلغ مدة الحضانة التي تفصل بين وصول الفايروس إلى جسم الطفل السليم وحتى ظهور الأعراض الخاصة بالمرض حوالي 10 إلى 12 يوماً، ويحمل المصاب خطورة عالية لنقل العدوى إلى غيره قبل 4 أيام من ظهور الطفح الجلديّ المعمم إلى 4 أيام أخرى تالية لحدوثه.
إضافة إلى أن الفترة الزمنية التي تتجلى فيها الأعراض السريرية الخاصة بمرض الحصبة تعتبر الأشد والأكثر خطورة نظراً لقدرة المصاب الفعّالة على نقل المرض لمن يخالطه من الأصحاء.
الآلية الإمراضية لفايروس الحصبة
تنتقل العدوى عبر القطيرات المحمّلة بالفايروسات الممرضة إلى السّبيل التنفسيّ للطفل السليم لتتوضع ضمن الظهارة المبطنة للحنجرة والرّغامى، علماً أن هذه القطيرات تبقى محتفظة بقدرتها المسببة للمرض حتى ساعتين من خروجها مع سعال المريض أو عطاسه.
وبعد يومين إلى أربعة أيام تتكاثر الفايروسات ضمن العقد البلغميّة الناحيّة، يلي ذلك انتشار هذه الفايروسات عبر المجرى الدموي وصولاً إلى أعضاء مختلفة في الجسم؛ مما يطلق الطفح الجلدي المعمم الذي يميز مرض الحصبة.
تجدر الإشارة إلى أن مرض الحصبة يضعف القدرة الفعالة لجهاز المناعة على مواجهة العوامل الممرضة والقضاء عليها، مما يفسح المجال لنموّ وتكاثر الجراثيم وحدوث إنتانات جرثومية ثانوية تلي الإصابة الفايروسيّة الأوليّة.
الأعراض والعلامات السّريريّة الخاصة بمرض الحصبة
يمكننا تقسيم التظاهرات السريرية التي يعاني منها الطفل المصاب بالحصبة إلى مرحلتين سريريتين هما:
1. المرحلة البادريّة أو النزليّة (Initial Phase)
ترتفع خلالها حرارة الطفل المصاب بشكل بسيط، كما تظهر عليه أعراض شبيهة بالزّكام كالاحتقان الأنفي والسيلان المخاطي الغزير منه، إضافة إلى الصداع وآلام الحلق والسعال وفقدان الشهية.
إلى جانب الرهاب الضيائي (خوف المريض من تعرض عينيه للضوء) والتعب العام والآلام العضلية والمفصلية المعمّمة، قد يشكو الطفل الصغير أو الرضيع من أعراض هضمية في سياق الحصبة كالإقياء والإسهال مثلاً.
وفي اليوم الثاني أو الثالث من بدء المرحلة البادريّة تظهر بقع كوبليك (Koplik Spots) داخل الغشاء المخاطيّ للفم، وهي عبارة عن بقع رماديّة مزرقة أو بيضاء صغيرة تتوضع على أرضية حمراء تستمر حوالي 3 إلى 5 أيام، وقد يزداد عددها لتشمل أحياناً كامل الغشاء المخاطيّ داخل الفم.
2. المرحلة الخاصّة بظهور الطفح الجلديّ (Skin Rash)
يظهر الطفح في اليوم الرابع تقريباً للمرض، ترافقه حالة عامّة سيئة للطفل المريض مع ارتفاع شديد في درجة حرارته قد تصل إلى 40 درجة مئويّة، تنخفض بشكل ملحوظ بعد يومين من ظهور الطّفح.
يأخذ الطفح الجلديّ الذي يحدث في سياق مرض الحصبة مظهر بقع صغيرة حمراء اللون، قد تكون مسطحة أو مقببة قليلاً فوق سطح الجلد، تتوضع بداية على الجبهة والوجنتين والرقبة وخلف الأذنين لتنتشر بعدها إلى الطرفين العلويين والجذع والظهر ثم الطرفين السّفليين.
وقد تسبب حكّة بسيطة لدى بعض الحالات المرضيّة، تتحول هذه البقع بعد اليوم الثالث من ظهورها إلى اللون البنيّ لتزول تماماً خلال ثلاثة أيام تقريباً من تبدلها اللونيّ، تجدر الإشارة إلى توسّف المناطق الجلديّة التي ظهر عليها طفح الحصبة بشكل شديد، بينما يعفّ التوسف بشكل ملحوظ عن راحة اليدين وأخمص القدمين.
المضاعفات التي تحدث في المراحل المتقدّمة لمرض الحصبة
- التهاب أذن وسطى حاد (Acute Otitis Media): أشرنا في فقرة سابقة كيف تضعف قدرة الجهاز المناعي على الدفاع ضد العوامل الممرضة بعد وصول فايروسات الحصبة إلى جسم الإنسان وتضاعفها ضمنه، مما يفسح المجال أمام حدوث الإنتانات الجرثومية الثانوية كالتهاب الأذن الوسطى الحادّ بالمكورات الرئوية أو العقديات.
- التهاب الخشاء الحاد (Mastoiditis): يظهر بألم شديد عند الضغط على الخشّاء (نتوء عظمي يبرز خلف الأذن مباشرة).
- التهاب الزائدة الدوديّة الحاد (Appendicitis): لا يعتبر هذا الاختلاط نادر الحدوث لدى الأطفال، يتظاهر بألم بطني شديد مع إقياء وارتفاع في درجة حرارة الجسم وعلامات سريرية أخرى.
- التهاب حنجرة ساد ( Crupp): يمتاز بحدوث صرير مع بحّة في الصوت وارتفاع في درجة حرارة الطفل.
- التهاب التامور (Pericarditis) والعضلة القلبية (Myocarditis).
- ذات الرئة (Pneumonia) والتهاب قصيبات شعريّة (Bronchiolitis): تحدث بنسبة 6% لدى الأطفال المصابين بالحصبة.
- التهاب السحايا والدماغ في سياق مرض الحصبة: يحدث التهاب الدماغ الحصبي ما بين اليوم الثالث والتاسع من ظهور الطفح، ونادراً ما يظهر خلال الدور البادريّ، يظهر بعودة الارتفاع في درجة حرارة الطفل المريض مع حدوث الاختلاجات والشلول العصبية، وربما تبلغ المرحلة إلى درجة قد يحدث فيها السبات.
تشخيص الإصابة بمرض الحصبة عند الطفل
يعتمد الطبيب الفاحص في تشخيص الطفل المريض بالحصبة أولاً على أخذ القصة المرضيّة التفصيليّة، فيستفسر عن الأعراض السريرية التي شكا منها الطفل بداية (أي المرحلة البادرية) مع تطور الأعراض حتى ظهور الطفح الجلدي المعمّم.
ويسأل بالمقابل عن الظروف التي أدت إلى انتقال العدوى إلى الطفل المريض، تقوم المرحلة التالية للتشخيص على فحص الطفل المريض سريرياً.
فيبحث الطبيب عن وجود بقع كوبليك داخل مخاطية الفم، كما يدقق في صفات الطفح الجلديّ المتوزّع في وجه الطفل أو جذعه وربما كامل جسده، كما يتأكد من شكله المعروف نموذجياً ويقارنه مع حالة الطفح لدى الطفل المريض (بقع حمراء فاتحة مسطحة أو مقببة قليلاً فوق الجلد).
يسحب الطبيب عينة دموية من الطفل المصاب كي تُفحص مخبرياً، فيلاحظ فيها انخفاضاً ملحوظاً في تعداد الكريات البيض (Leucopenia)، إضافة إلى ارتفاع عيار الأضداد (Ig M أو Ig G) الموجهة ضد العامل الفايروسي الحصبوي في مصل المريض.
هذا ويُجري المخبريّون أيضاً زروعاً خاصّة تثبت وجود الفايروس الممرض ضمن العينة الدموية المسحوبة، تجدر الإشارة إلى إيجابية النتائج المخبرية التي تجرى على مسحات مأخوذة من البلعوم الأنفي للمريض أو بوله تثبت وجود الفايروس الممرض فيها خلال الأيام الثلاثة الأولى من ظهور الطفح الجلديّ.
متى ينبغي الإسراع بنقل الطفل إلى أقرب مركز صحيّ؟
لا تتردد أبداً في استشارة طبيب الأطفال المختص أو نقل طفلك المصاب إلى أقرب قسم للإسعاف إذا ظهر عليه واحد أو أكثر مما يلي:
- الأعراض السريرية الخاصة بمرض الحصبة، سواء في المرحلة البادرية أو الطفح الجلدي.
- اشتداد الأعراض وعدم تحسن الحالة العامة لطفلك.
- عدم انخفاض درجة الحرارة إلى ما دون 38.
- ظهور واحد أو أكثر من المضاعفات التالية لمرض الحصبة.
الخطوات العلاجيّة للأطفال المصابين بمرض الحصبة
يقوم العلاج الأساسي لمرضى الحصبة على تأمين الراحة في الفراش لفترة زمنية يستعيد فيها الطفل قوته ونشاطه، كما يؤكد الطبيب على أهمية تزويد الطفل المريض بالسوائل والشوارد فموياً أو وريدياً.
وذلك منعاً من حدوث التجفاف ولتعويض ما خسره الطفل إذا ما حدث لديه إقياء أو إسهال، تُهوَّى غرفة الطفل بشكل متكرر يومياً، كما تعطى خافضات الحرارة ومسكنات الألم (إذا كان طفلك بعمر ستة أشهر فما فوق) كالباراسيتامول (Paracethamol) مع أو بدون الكمادات الباردة والكحوليّة.
يمكن للطبيب المعالج أن يصف في بعض الحالات صادات حيويّة (Antibiotics) لمعالجة الإنتان الجرثومي الثانوي الذي يحدث أحياناً كواحد من المضاعفات التالية للمرض.
توصي منظمة الصحة العالميّة (WHO) بأهمية تزويد الأطفال المصابين بالحصبة بجرعات من فيتامين A تتناسب مع الفئة العمرية التي ينتمي لها الطفل المصاب بالمرض.
اللقاح المضاد لفايروس الحصبة (Vaccination)
يعطى اللقاح المضاد للحصبة لكل الأطفال الصغار بعمر 10 شهور حقناً تحت الجلد، وتكرر الجرعة مرة أخرى في عمر 15 شهراً نظراً لقلة الدعم المطلوب الذي تؤمنه الجرعة الأولى.
يقي اللقاح المضاد للحصبة بشكل رئيسي من خطر تطور المرض إلى التهاب الدماغ، وهو يتركب بشكل أساسيّ من فايروسات الحصبة الحيّة والتي أُضعفت قدرتها الإمراضية ضمن المخابر، ويعطى عادة بالمشاركة مع لقاحي النكاف والحصبة الألمانية (MMR).
قد تحدث آثار جانبيّة بسيطة لدى بعض الأطفال بعد تزويدهم بجرعة اللقاح المضادة لفايروس الحصبة منها احمرار خفيف وطفح جلديّ في موضع إدخال الإبرة المعقمة.
نادراً ما ينتشر ليشمل الطفح كافة أنحاء الجسم، وقد يحدث أيضاً ترفع حروري خفيف من النادر أن يصل لدرجات مرتفعة وشديدة، تجدر الإشارة إلى أن الرابط بين مرض التوحد ولقاح الحصبة لا يملك أرضية علميّة قويّة تؤكده.
فقد نفت معظم الدراسات التي أجريت في جامعات ومستشفيات الولايات المتحدة الأمريكية إمكانية حدوث مرض التوحد بشكل تالٍ للجرعة المضادة لفايروس الحصبة، إنما لا يمكننا اعتبار هذا الرابط سوى محض شائعات رائجة وادعاءات مغلوطة لا تملك أساساً علمياً.
الوقاية من مرض الحصبة
يحتل اللقاح المضاد للحصبة المرتبة الأولى ضمن قائمة الإجراءات التي تقي الأطفال من خطر إصابتهم بهذا المرض، يضاف لها أهمية تثقيف الطفل الكبير وتعليمه قواعد الصحة العامة، كأن يستعمل منديلاً ورقياً عند العطاس ويتخلص منه فوراً بعد الانتهاء منه.
إلى جانب تنبيهه لأهمية غسيل اليدين الجيد بالماء الفاتر والصابون بعد استعمال المرحاض وقبل تناول الطعام وبعد الانتهاء من اللعب خارجاً.
ونشير بدورنا إلى الفائدة الكبيرة لتعقيم السطوح المنزلية وتنظيف الأرضيات، خوفاً من انتقال العوامل الممرضة لطفلك إذا ما أهمل تنظيفها، مع ضرورة تعقيم المناشف الشخصية وألعاب طفلك باستمرار.
في ختام المقال.. ننصحك باستعمال الأجهزة المرطبة أو وضع قدر من الماء الدافئ بجانب سرير طفلك المريض كي ترطبّ نوعاً ما الجو المحيط بطفلك.
ونشير أيضاً إلى ضرورة الامتناع التام عن التدخين بجانب الطفل المصاب لحماية مخاطيته التنفسية من تخريش المواد التي يحويها تبغ المدخنين، حيث تزداد قابليتها للتأذي والضرر بشكل أكبر لدى المصابين بمرض الحصبة.