أسباب الخنوثة الجنسية وطرق علاجها
على مر التاريخ البشري، اعتاد الإنسان على التعرف إلى أشخاص آخرين والتعامل معهم بأسلوب متوافق مع جنس هؤلاء الأشخاص، حتى إن معظم اللغات البشرية مهيأة للتعامل مع الشخص المفرد باعتباره ذكراً أو أنثى، دون وضع اعتبار لمنطقة رمادية بينهما، وهذا ما ترك بعض الأفراد خارج هذا التصنيف، إذ إنهم لا ينتمون بشكل كامل إلى هذا الجنس أو ذاك، ويطلق على هذا الشخص ثنائي الجنس أو مخنث، وفي هذا المقال، نوضح لك معنى الخنوثة الجنسية وأسبابها وطرق علاجها.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
ما معنى الخنوثة الجنسية
يعبر مصطلح الخنوثة الجنسية (بالإنجليزية: Intersex) عن الحالات التي يُولد فيها الشخص حاملاً صفات جنسية (هذه الصفات تشمل الأعضاء التناسلية الظاهرة والغدد الجنسية والأنماط الوراثية) لا تنتمي إلى التصنيف الثنائي التقليدي للبشر (ذكر أو أنثى). [1]
تعتبر الخنوثة الجنسية مصطلحاً عاماً (بالإنجليزية: Umbrella Term)، فهي تشمل في هذا التعريف مجموعة من الحالات الوراثية والشكلية المختلفة، قد تكون واضحة منذ الولادة، وقد تأخذ سنوات حتى يتم اكتشافها بالمصادفة في سن البلوغ التناسلي. [1]
كما أن هناك بعض الحالات الوراثية التي تسبب الخنوثة الجنسية، لا يتم تشخيصها في أي مرحلة من مراحل حياة الفرد، لأنها لا تحمل أي مظاهر جسدية ظاهرة. [1]
الفرق بين مغاير الجنس وثنائي الجنس
يتكون الحمض النووي البشري (بالإنجليزية: Human DNA) من 46 شريطاً دقيقاً تُعرف باسم الصبغيات (بالإنجليزية: Chromosome)، وتوجد هذه الصبغيات جميعاً داخل نواة كل خلية حية، ويجتمع كل اثنين منها معاً، لتبدو المادة الوراثية البشرية على شكل 23 زوجاً من الصبغيات. [2]
وهناك 22 زوجاً من أصل هذه الأزواج الـ23 يُطلق عليها الصبغيات الجسدية، وهي مشتركة لدى الرجال والنساء، وتحمل المعلومات الوراثية التي تجعل كل جنس متميز عن الجنس الآخر. [2]
أما الزوج الأخير فهو يتكون من صبغيين جنسيين يكونان متماثلين عند الأنثى ويطلق عليهما XX، أما عند الذكر فيكون واحد منهما مختلفاً عن الآخر، وبهذا يكون الصبغيان الجنسيان له XY، ونتيجة لذلك، يكون النمط الوراثي للجنسين (مغايري الجنس) كما يأتي: [2]
- الذكر: 46,XY، أي أنه يحمل عدداً طبيعياً من الصبغيات في خلايا جسمه، وصبغياته الجنسية الطبيعية.
- الأنثى: XX,46، أي أن عدد الصبغيات ضمن خلاياها طبيعي، والنمط الأنثوي هو XX كما ذكرنا.
وفي بعض الاضطرابات الوراثية يكون النمط الوراثي مختلفاً من ناحية الصبغيات الجنسية، ولا يتبع أياً من النمطين التقليديين السابقين، وهذه التشوهات تعتبر من أبرز أسباب الخنوثة، فمن الممكن أن يكون النمط الوراثي لثنائي الجنس 47,XXY أو X,45 أو غيرها بحسب الفحوصات والتحاليل التي تُجرى عليه. [2]
أسباب الخنوثة الجنسية
هناك العديد من الأسباب التي يمكن أن تؤدي إلى ظهور أعراض الخنوثة على المولود، ومن ضمنها ما يأتي: [2]
- فرط تنسج الكظر الولادي (Congenital Adrenal Hyperplasia): في هذه الحالة يكون المولود أنثى من الناحية الوراثية، لكن الغدتين الكظريتين اللتين تقعان فوق الكليتين تكونان متضخمتين، وتفرزان كميات إضافية من الهرمونات التي تحدث ضخامة في الأعضاء التناسلية الظاهرة، ومظهراً أقرب إلى المظهر الذكوري.
- عوز إنزيم 5 ألفا ريدكتاز (5 Alpha Reductase Deficiency): يلعب هذا الإنزيم دوراً محورياً في عملية تطور الأعضاء الجنسية الذكرية، وفي حال نقصه أو غيابه يحدث ما يسمى بـ(غياب التذكير) أو (التذكير الناقص) للأعضاء التناسلية.
- متلازمة غياب الحساسية للأندروجين (Androgen Insensitivity Syndrome): يمكن أن تكون الحساسية للأندروجين ناقصة أو غائبة تماماً، وفي حالة الغياب التام للحساسية يكون المولود ذكراً من الناحية الوراثية، ولكن هناك اضطراباً في خلاياه يجعلها لا تتأثر بهرمون التستوستيرون الذكري والهرمونات الأخرى المشابهة، وفي الحالات التامة من هذه المتلازمة يكون المظهر الخارجي أنثوياً تماماً، إذ إنها تكون دون أعراض حتى سن البلوغ، في حين تبقى الطفلة دون دورة شهرية، وبعد الفحص بالأمواج فوق الصوتية يتبين غياب المبيضين والرحم، ووجود خصيتين غير هابطتين في جوف البطن.
- عدم تشكل القضيب (Penile Agenesis): في هذه الحالة يولد الطفل الذكر دون عضوٍ ذكري.
- متلازمة كلاينفلتر (Klinefelter Syndrome): تعد من حالات الخنوثة الصبغية، وفيها يكون المظهر الخارجي أقرب للذكورة، لكن المريض يحمل ضمن خلاياه صبغياً إضافياً من النوع X (المؤنث)، فيكون النمط الوراثي للمريض 47,XXY، ويكون المريض في هذه المتلازمة ذكراً طويلاً عريض الوركين، ويكون شعر الوجه والجسم قليلاً، والأعضاء التناسلية تكون صغيرة وغير مكتملة التكون.
- متلازمة تورنر (Turner Syndrome): على العكس من متلازمة كلاينفلتر، يكون الاضطراب هنا ناجماً عن وجود صبغي X وحيد وعدم وجود صبغي Y، وتحمل كل خلية من جسم المريضة 45 صبغياً بدلاً من 46 في الحالة الطبيعية، وتكون المريضة أنثى ظاهرياً، قصيرة القامة وغائبة الصفات الجنسية الثانوية (الثديان بمظهر طفولي والوركان غير عريضين)، كما أن الأعضاء التناسلية تكون غير مكتملة التكون.
- عدم تشكل المهبل (Vaginal Agenesis): وهنا تكون الطفلة الأنثى مولودة من دون مهبل.
أعراض الخنوثة وتباين ظهورها
تتباين أعراض الخنوثة في الظهور، فقد تظهر في مرحلة مبكرة جداً من حياة المولود، وقد تبدأ بالظهور في مرحلة المراهقة ويكون لها تأثيرات عديدة على نفسية المراهق، ومنها ما يظهر في مرحلة متأخرة من حياة الفرد. [3]
ماذا يحدث في حال عدم القدرة على تحديد جنس المولود ظاهرياً
عندما يولد الطفل بأعضاء تناسلية مبهمة، يكون على الطبيب أن يجري تحاليل واختبارات إشعاعية ووراثية لتحديد الحالة المتسببة في حدوث الخنوثة، وهذا الأمر مهم لأن هناك بعض الاضطرابات المسببة للخنوثة، مثل: فرط تنسج الغدتين الكظريتين، قد تترافق مع اضطرابات أخرى مُهددة للحياة، وتحتاج تدخلاً إسعافياً أو جراحياً. [3]
وتسبب حالات عدم القدرة على تحديد جنس المولود ارتباكاً وقلقاً كبيرين لأهل المولود، لأن الجميع معتادون على توقع جنس المولود على أنه واحد من خيارين فقط لا ثالث لهما، لذا يصر الأهل على تحديد سبب المشكلة واتخاذ الإجراءات اللازمة لتصحيحها إذا كان هذا ممكناً. [3]
كيف يحدد الأطباء والأهل جنس المولود فيما بعد
تتدخل عوامل عديدة في هذا القرار، وتعتبر الأهداف الرئيسية هنا الحفاظ على الخصوبة الجنسية، إذا كان هذا الخيار متاحاً، والتأكد من عمل الجهاز الهضمي والمثانة بشكل سليم في حال التشوهات المتعددة والتأكد قدر الإمكان من أن الطفل سيكون راضياً عن الهوية الجنسية التي ستلحق به. [3]
وقد لاحظ الأطباء أن الحالات التي تنتمي إلى مجموعة الخنوثة تكون غالبيتها أقرب إلى أحد الجنسين، مثل: مريض كلاينفلتر الذي يكون أقرب للذكورة من الأنوثة، ومريضة تورنر التي تكون أقرب شكلياً للجنس المؤنث. [3]
لذلك تعمد الإجراءات الطبية المستخدمة لتحديد الجنس (بالإنجليزية: Sex Assignment) إلى جمع أكبر كمية من المعلومات الممكنة عن الحالة، ثم التشاور مع أهل الطفل من أجل تحديد الجنس الذي يناسبه ويكون مُرضياً له طوال حياته. [3]
ماذا يحدث في حال اكتشاف الخنوثة لاحقاً خلال الحياة
بالنسبة للحالات التي لا تكتشف عند الولادة، فهي غالباً ما تظهر خلال سنوات المراهقة المبكرة التي تمثل سن البلوغ لدى الذكور والإناث، وفي حال تأخر أو غياب علامات البلوغ الجنسي لدى الطفل، يجب فحصه من الطبيب لأن هذا قد يكون العرض الأول للخنوثة. [3]
فمثلاً في حال متلازمة عدم الحساسية على الأندروجين، يقلق الأهل لأن ابنتهم لم تأتيها الدورة الشهرية، وفي بعض الحالات يكون العلاج الدوائي الهرموني ضرورياً لدعم عملية تطور الأعضاء التناسلية بشكل طبيعي قدر الإمكان، وفي حالات أخرى يجب اتخاذ الخيار الجراحي بعين الاعتبار، لكن هذا الأمر يحدده الطبيب بالطبع. [3]
ويغلب على حالات الخنوثة التي لا تظهر خلال مرحلة المراهقة أنها تكون مترافقة مع عقم أو نقص في الخصوبة، كما أن اكتشافها في هذه الفترة الحساسة من التطور الجسدي والنفسي للمراهق يحمل آثاراً نفسية لا يُستهان بها، مثل الشعور بالنقص والغضب وعداء المجتمع، ومن دون مساعدة ودعم من الأهل أو الطبيب النفسي يمكن أن يُصاب المراهق بمرض الاكتئاب. [3]
ما مدى شيوع حالات الخنوثة
في الحقيقة، لا يمكن الإجابة عن سؤال كهذا بسهولة، لأن الإجابة تحتاج في البداية إلى تحديد الحالات الطبية، التي يمكن أن ندرجها في إطار الخنوثة، إضافة إلى هامش الخطأ الإحصائي الذي تسببه حالات التشخيص الخاطئ للخنوثة. [4]
هذا بخلاف الحالات التي تمر دون تشخيص، ويقدر بعض الأخصائيين أن طفلاً واحداً من بين كل 1500 مولود جديد يولد بأعضاء جنسية لا يمكن تصنيفها على أنها ذكرية أو أنثوية. [4]
علاج الخنوثة وتأثيره على الهوية الجنسية
يبدو أن معظم الأشخاص الذين يخضعون إلى علاجات تصحيح الخنوثة واختيار جنس مناسب خلال الطفولة المبكرة، يصلون إلى سن البلوغ وهم في حالة رضا عن الجنس الذي اختير لهم، ويكون ميلهم الجنسي عادة تجاه الجنس الآخر بنسبة مشابهة لنسبة مغايري الجنس (بالإنجليزية: Heterosexuals) من الذكور والإناث غير المخنثين. [4]
وفي بعض الحالات، يبالغ الأهل في تحليل تصرفات أبنائهم التي قد تكون غير منسجمة مع الجنس الذي تم اختياره لهم، وتساورهم بعض الشكوك حول أنهم اختاروا الجنس الخاطئ لطفلهم. [4]
وفي معظم الحالات، لا يكون هناك داعٍ للقلق إذا رأيت طفلاً ذكراً يرقص أو فتاة تحب لعب الكرة، فهذه الأمور طبيعية في فترة الطفولة طالما أن الطفل لا يرفض هويته الجنسية. [4]
تحديات تواجه ثنائي الجنس
بغض النظر عن كون الخنوثة مكتشفة خلال الطفولة المبكرة، أو ظهرت لاحقاً خلال سنوات المراهقة، لا شك أن عدم الشعور بالانتماء الكامل إلى أي من الجنسين يحمل الكثير من الصعوبات والتحديات التي تواجه الطفل من جهة، وأهله من جهة أخرى. [2]
تقع المسؤولية الأولى على عاتق والدي الطفل اللذين يحتاجان إلى فهم المعلومات الطبية المتعلقة بحالة الطفل، وكيفية التعامل معها والإجابة عن الأسئلة الكثيرة التي سيطرحها الطفل عن نفسه وجسمه بطبيعة الحال. [2]
ينصح الأطباء الأهل بأن يخبروا الطفل عن حالته بالتدريج خلال سنوات الطفولة، وبشكل يتناسب مع معارفه، ولا يجعله يشعر بالنقص أو الضعف، كما يجب تثقيف المحيطين به إلى حد ما. [2]
ومن المهم التعاون مع أهالي زملائه في المدرسة من أجل توفير بيئة تشعره بالدعم المعنوي وإبعاده نوعاً ما عن الشعور بالإهانة بشكل مباشر الذي يحدث عند تعرضه للسخرية والإساءة اللفظية، أو بشكل غير مباشر عبر أسئلة محرجة أو نظرات استغراب وخوف تحيط به. [2]
وفي النهاية، لعل أفضل ما يمكننا فعله في حال ملاحظة أعراض الخنوثة على أحد الأفراد من حولنا هو التعلم أكثر عن حالاتهم والمشكلات التي تواجههم، وعدم النظر إليهم أو معاملتهم باستغراب واشمئزاز، لأن أكثر ما يحتاجه الفرد في هذه الحالة هو المحيط المتفهم والإيجابي الذي يساعده على الاندماج والمشاركة كعنصر فعّال في المجتمع.