أسباب العقم عند النساء
يعلم الجميع أن غريزة الأمومة والرغبة في إنجاب الأطفال أمر طبيعي موجود لدى جميع الإناث، وتبدأ بالتشكل منذ سنوات الطفولة الأولى وتكون الشخصية، لذلك عندما تتزوج وتكتشف مشكلة في الإنجاب يكون هذا الأمر بمثابة صفعة نفسية مؤلمة، فيترتب على ذلك شعور دائم بالنقص لدى المرأة، بالإضافة إلى تعكير صفو العلاقة الزوجية أو حتى انهيار الزواج، لذلك علينا أن نفهم بوضوح أسباب العقم عند المرأة، خاصة تلك القابلة للحل منها، وذلك ما سنتناوله في هذا المقال.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
ما دور المرأة في الإخصاب الطبيعي والحمل
يقوم المبيضان (بالإنجليزية: Ovaries) لدى المرأة بإنتاج الخلايا البيضية بمعدل بويضة ناضجة من أحد المبيضين كل دورة شهرية (28 يوماً في المتوسط)، بعد ذلك تخرج البويضة من المبيض لتصل إلى قناة تدعى بقناة فالوب تصل بين المبيض والرحم.
وإذا حدثت علاقة جنسية في فترة قريبة تلتقي هذه البويضة مع نطفة من الذكر ويحدث الإلقاح، فتتشكل بيضة ملقحة تنغرس ضمن بطانة الرحم، ثم تنمو وتنقسم حتى تشكل الجنين، وحتى تتم هذه المراحل بشكل طبيعي يجب على الظروف الآتية أن تتحقق بشكل طبيعي: [1]
- تحقق الإباضة: الإباضة هي عملية خروج الخلايا البيضية من المبيض بعد أن تكبر ضمنه، ويمكن أن يحدد الطبيب وقت الإباضة التي تكون عادة في اليوم الرابع عشر من الدورة الشهرية باستخدام اختبارات متعددة.
- وجود حيوانات منوية لدى الزوج: لا يشكل هذا الموضوع مشكلة في العادة؛ لأن عدد الرجال الذين لا ينتجون أي حيوانات منوية ليس كبيراً، لكن في بعض الأحيان تكون هذه الحيوانات المنوية ضعيفة ضد حموضة المهبل الذي تنقذف ضمنه، وتموت أو تشل حركتها قبل أن تلتقي بالبويضة.
- ممارسة الجنس بشكل منتظم: يجب أن تتم العلاقة الجنسية بشكل منتظم بين الزوجين، خاصة في الفترة الخصبة من دورة الأنثى، ومن أجل هذا الأمر قد يساعدك الطبيب في الوصول إلى فهم دقيق حول هذه الفترة.
- نفوذية قناتي فالوب: إذ يجب أن تأتي البويضة من جهة والحيوان المنوي من جهة أخرى، ليلتقيا في هذه المنطقة ثم يتابعا المسير كبيضة ملقحة باتجاه الرحم.
يمكن أن تصاب هذه العمليات الحيوية بعوامل ممرضة وآليات عديدة وفي مراحل مختلفة، مما ينتج عنه انعدام في الإباضة أو التلقيح أو تعشيش البيضة الملقحة ضمن الرحم.
ما مدى شيوع العقم عند النساء
يعتبر الزوجان عقيمين إذا لم يحدث بينهما أي حمل بالرغم من مرور عام ونصف على الزواج؛ بالرغم من ممارسة الجنس بشكل منتظم، ويعاني منه واحد من كل ستة أزواج تقريباً.
تشير بعض الإحصائيات إلى أن الرقم أقل من ذلك بقليل، إذ تتغير الأرقام التي تعطيها الدراسات الإحصائية عندما لا يقوم الزوجان بممارسة الجنس بشكل كافٍ مثلاً، وعند التشخيص يتبين أن الأسباب النسائية تتدخل في نصف حالات العقم، وتكون المرأة هي السبب الوحيد للعقم في ثلث الحالات. [1]
أسباب العقم عند المرأة
يمكن لعدد من العوامل أن تعرقل عمل الجهاز التكاثري الأنثوي في مرحلة ما أو أكثر، لذلك قد نجد واحداً أو أكثر من الاضطرابات الآتية لدى النساء المصابات بنقص الخصوبة: [2]
اضطرابات الإباضة
يشمل مصطلح اضطرابات الإباضة (بالإنجليزية: Ovulation Disorders) الحالات المرضية التي تحدث فيها الإباضة بشكل غير منتظم أو لا تحدث أبداً، وهي مسؤولة عن ربع حالات العقم تقريباً.
وعادةً ما تحدث المشاكل في الإباضة، إما بسبب اختلال التوازن الهرموني على مستوى الجهاز التناسلي الأنثوي، أو اضطراب توجيهها من قبل الغدة النخامية أو الوطاء (بالإنجليزية: Hypothalamus) (جزء من الدماغ يقع على الوجه السفلي له ويتصل بالغدة النخامية وينقل لها تعليمات من الجهاز العصبي وبعض المواد الأخرى)، وينتج ذلك عن إحدى الحالات الآتية: [2]
- متلازمة المبيض متعدد الكيسات (Polycystic Ovary Syndrome – PCOS): تخلف الإصابة بهذه المتلازمة اضطراباً هرمونياً، مما يؤثر على وظيفة المبيض في الإباضة، كما تترافق متلازمة المبيض متعدد الكيسات بالإصابة بالبدانة ونمو الشعر بشكل غير محبب في مناطق مختلفة من الجسم، إضافة إلى حب الشباب، وهي أكثر أسباب نقص الخصوبة الأنثوية شيوعاً.
- اضطراب عمل الوطاء: يتحكم الوطاء بعمل الغدة النخامية ونشاط إفرازها الهرموني، وهناك هرمونان رئيسيان يُفرزان من الغدة النخامية ويتحكمان بتحريض عملية الإباضة كل شهر يُدعيان الهرمون المنشط للجريب (FSH)، والهرمون الملوتن (LH)، لا داعي للتعمق في تفاصيل عمل كل واحد من هذين الهرمونين، لكن مستوياتهما قد تضطرب في حالات الصدمات العاطفية والضغط النفسي الشديد، إضافة إلى النساء شديدات البدانة أو النحول أو في حالات اكتساب الوزن أو خسارة الوزن بسرعة كبيرة، يؤدي اضطراب توازن هذه الهرمونات إلى عرقلة عملية الإباضة، ويظهر ذلك باضطراب الدورات الطمثية أو حتى انقطاعها.
- القصور المبيضي المبكر: يحدث هذا الاضطراب عادة نتيجة أحد الأمراض المناعية الذاتية التي يقوم فيها الجهاز المناعي للمرأة بمهاجمة المبيضين والقضاء على الخلايا البيضية المخزنة ضمنهما، أو نتيجة نفاد مخزون المبيضين من الخلايا البيضية بشكل مبكر (قبل سن اليأس) بسبب العلاج الكيميائي للسرطان مثلاً، ويعتبر القصور المبيضي مبكراً إذا توقف عن العمل قبل سن الأربعين.
- زيادة تركيز هرمون البرولاكتين: تعرف هذه الحالة طبياً باسم فرط البرولاكتين (بالإنجليزية: Hyperprolactinemia)، يُفرز هرمون البرولاكتين من الغدة النخامية، ويحرض بشكل طبيعي ازدياد حجم الثديين وعملية إنتاج الحليب لدى المرضع (إدرار الحليب من الثديين)، كما يمكن أن يزداد نتيجة حدوث أورام مفرزة له في الغدة النخامية، يؤدي ذلك إلى انخفاض الهرمون الأنثوي الرئيسي المدعو بالإستروجين (بالإنجليزية: Estrogen) الذي يعتبر الهرمون المبيضي الرئيسي في عملية الإباضة وإظهار الصفات الجسدية الأنثوية، يمكن أن يحدث هذا الاضطراب كأثر جانبي يتلو تناول بعض الأدوية أيضاً.
إصابة قناتي فالوب (العقم الأنبوبي)
يؤدي حدوث تضرر أو انسداد في قناتي فالوب إلى منع الحيوانات المنوية من الوصول إلى البويضة، أو منع البيضة الملقحة من الوصول إلى جوف الرحم، وتؤدي الحالات الآتية إلى إصابة أو انسداد قناتي فالوب: [2]
- الداء الحوضي الالتهابي: إصابة التهابية تحدث نتيجة غزو أحد العوامل الممرضة للرحم وقناتي فالوب، وهذا في حال الإصابة بالكلاميديا أو السيلان البني أو أحد الأمراض الأخرى المنتقلة بالجنس.
- جراحة سابقة بالبطن أو الحوض: ومن ضمنها العمليات الجراحية لاستئصال الحمل المنتبذ (الحمل خارج الرحم)، إذ تنغرس البيضة الملقحة في إحدى قناتي فالوب بدلاً من الرحم.
- السل الحوضي: وهو سبب رئيسي في العقم الأنبوبي حول العالم، خاصة في البلدان النامية.
انتباذ بطانة الرحم (الداء البطاني الرحمي)
يحدث انتباذ بطانة الرحم عندما ينمو ويتكاثر نسيج بطانة الرحم في مناطق أخرى من الجسم، ويمكن أن يؤدي نمو هذا النسيج أو العمليات الجراحية التي تجرى لاستئصاله إلى حدوث ندوب، ومن مضاعفات هذه الندوب انسداد قناتي فالوب ومنع الحيوان المنوي من الالتقاء بالبويضة.
علاوة على ذلك، يؤثر الداء البطاني الرحمي على بطانة الرحم؛ مما يعيق حدوث الانغراس الطبيعي للبيضة الملقحة إلى جانب العديد من التأثيرات غير المباشرة، مثل: أذية الحيوانات المنوية والبويضة. [2]
الأسباب المتعلقة بالرحم أو عنق الرحم
يمكن لبعض الاضطرابات في شكل أو وظيفة الرحم أو عنق الرحم أن تؤثر على عمليات انغراس أو انغماس البيضة الملقحة، مما ينتج عنه عقم أو زيادة في احتمال الإجهاض، ومن هذه الاضطرابات ما يأتي: [2]
- الأورام الحميدة: وهي شائعة الحدوث ضمن الرحم، بعضها يسد مدخل قناة فالوب وبعضها الآخر يمنع اغتراس البيضة الملقحة مما يؤثر على الخصوبة، لكنها لحسن الحظ لا تسبب العقم دوماً إذ ينجح الحمل لدى نسبة كبيرة من النساء المصابات بهذه الاضطرابات.
- التهاب بطانة الرحم: هنا تكون بطانة الرحم متهيجة وغير قادة على تقبل البيضة الملقحة واغتراسها بشكل طبيعي.
- تشوهات الرحم الولادية: وهي قد تؤثر على قابلية الحمل أو احتمال استمراره بشكل سليم.
- تضيق عنق الرحم (Cervical Stenosis): عنق الرحم هو الجزء السفلي للرحم الذي ينفتح من الأسفل على المهبل ومن الأعلى على جوف الرحم، ويمكن أن يكون متضيقاً بسبب تشوهات ولادية أو إصابات رضِّية مما يمنع عبور الحيوانات المنوية.
- جفاف عنق الرحم: يحدث هذا عندما تفشل الغدد الملحقة بجهاز التكاثر الأنثوي على إفراز مواد زيتية مرطبة لعنق الرحم، أو تكون المفرزات عالية الحموضة بشكل يقتل الحيوانات المنوية أو يثبط نشاطها.
العقم مجهول السبب
في بعض الأحيان، لا يمكن معرفة السبب الكامن وراء غياب الخصوبة بالرغم من أداء جميع الاختبارات الممكنة، ويعتقد أن هذه الحالات تحدث بسبب اجتماع عدد كبير من العوامل البسيطة التي لا تكون قادرة وحدها على إحداث العقم ووجود هذه العوامل لدى كلا الطرفين.
يمكن في بعض الأحيان أن تُحل هذه المشاكل وحدها ويحدث حمل غير متوقع دون الخضوع لعلاج، لكن هذا لا ينفي وجوب تجريب العلاجات التي يقترحها الطبيب في جميع الأحوال. [3]
عوامل خطر مرتبطة بحدوث العقم عند المرأة
يمكن لبعض المتغيرات الجسدية أو المتعلقة بنمط الحياة والعادات الصحية أن تترك أثراً على خصوبة المرأة وقدرتها على الإنجاب، ومن ضمن هذه المتغيرات ما يأتي: [3]
- العمر: تبدأ نوعية البويضات التي ينتجها مبيضا المرأة بالإضافة إلى عدد تلك البويضات بالتدني مع دخول المرأة عمر الثلاثينات، وهذا ما يجعل احتمال حدوث الحمل ينخفض تدريجياً عاماً بعد عام، ويزداد احتمال حدوث التشوهات الوراثية التي يسبب معظمها إجهاض الجنين بشكل تلقائي في مراحل مبكرة من الحمل.
- عادة التدخين: عدا عن التأثير الضار الذي يخلفه التدخين على عنق الرحم وقناتي فالوب، يزيد التدخين من احتمال حدوث الإجهاض التلقائي والحمل خارج الرحم، كما ثبت أن التدخين يؤدي إلى استنزاف مخزون المبيضين من الخلايا البيضية مما يؤدي إلى القصور المبيضي المبكر.
- زيادة أو نقصان الوزن: تتأثر الإباضة بكون المرأة بدينة جداً أو ناقصة الوزن بشكل كبير، مما يؤكد على دور الحفاظ على وزن طبيعي من أجل حياة إنجابية سليمة.
- التاريخ الجنسي: يمكن لبعض الأمراض المنتقلة جنسياً أن تترك أثرها المخرب لأعضاء الجهاز التناسلي الأنثوي، مثل: الكلاميديا (بالإنجليزية: Chlamydia)، والسيلان البني (بالإنجليزية: Gonorrhea) اللذين يؤديان إلى أذية قناتي فالوب.
- استهلاك الكحول: يبدو أن الاستهلاك المعتدل للكحول لا يحمل تأثيراً ضاراً من هذه الناحية، لكن الإفراط في تناوله (أكثر من مشروب واحد في اليوم) يزيد من خطورة حدوث العقم لدى النساء.
وفي الختام، ليس عليك أن تقلقي إذا لم يحدث لديك حمل خلال أشهر زواجك الأولى؛ لأن وسائل الاستقصاء تطورت وأصبح تشخيص سبب صعوبة الحمل أكثر دقة من أي وقت مضى، كما أن تقنيات الإخصاب الصناعي وأطفال الأنابيب تثبت كل يوم بأنها قادرة على تحقيق ما قد ظنه الجميع غير ممكن في الماضي.