ما هي الثقافة، وما أهميتها وتأثيراتها في المجتمع؟

  • تاريخ النشر: الأحد، 24 نوفمبر 2019 آخر تحديث: الجمعة، 23 أغسطس 2024

ما الذي تقصده عندما تقول أنَّ فلانًا مثقف؟ هل تقصد بالضرورة أنه قرأ مئات الكتب؟ أم أنك تقصد تمسكه بنمط معين من العادات اليومية، أو العامة، أو ربما معرفته لكمية كبيرة من المعلومات العامة؟

الثقافة من أكثر المفاهيم التي تتداخل مع مفاهيم أخرى، يختلف معناها باختلاف ظروف استخدام المصطلح، فصفة الثقافة للفرد تختلف جذريًا عن صفة الثقافة للمجتمع، كما أن للثقافة فروعها المتعددة ومواردها الكثيرة.

هذا التعقيد الذي امتاز به المصطلح، أدى إلى تشويش كبير على المعنى، وتعددٍ في التعريفات، والتفسيرات، لكن القدرة على استنباط تعريف واحد، من كل تلك التعريفات لا تبدو مستحيلة.

إلا أننا لن نتمكن من كتابة سطرين أو ثلاثة في هذا الصدد، بل نحتاج لمجلدات كثيرة، منها ما هو موجودة بالفعل، كما أن المحاولة ما زالت مستمرة لتفسير أبعاد هذا المصطلح، وفي السطور الآتية نشرح ما هي الثقافة، وما أهميتها وتأثيراتها في المجتمع؟

تعريف الثقافة

حاول الباحثون إيجاد تعريف شامل للثقافة، لكن تلك الجهود لم تصل إلى مرادها، بل أنتجتْ مئات التعريفات التي اتفقت فيما بينها على بعض النقاط، إلا أنها اختلفت في تفاصيل أخرى.

كما أن محاولة الوصول إلى التعريف الشامل ما تزال جارية حتى الآن، وربما لن تتوقف، سنورد بعض أبرز التحليلات لماهية الثقافة:

معجم مصطلحات الثقافة والمجتمع

المعجم من تأليف طوني بينيت (Tony bennett)، ولورانس غريسبيرغ (Lurans Jrysbyrj)، إضافة إلى ميغان موريس (Megan moores)، ويقدم المعجم مجموعة كبيرة من المصطلحات الثقافية والاجتماعية.

كما يتبع أسلوب عرض وجهات نظر عديدة لكل من تلك المصطلحات، لكن المؤلفين افتتحوا تقديمهم لمصطلح (الثقافة) بشيء من الحيرة، واليأس من الوصول إلى تعريف نهائي، حيث يذكرون:

"وكما تم الإعراب عن المصاعب حول قيمة مفردة الثقافة، فإن مدى السياقات التي تظهر فيها هذه المفردة في الوقت نفسه، صارت تتضارب تضاربًا استثنائيًا في السنوات الأخيرة، فالثقافة الخليعة، والثقافة الإباحية، والثقافة السوداء، والثقافات العرقية، وثقافات الشتات، والثقافة العابرة للقومية؛ كلها حالات تصب في هذه النقطة..."

كما يرى المؤلفون، أن الانتقال من المعنى الفردي للثقافة إلى المعنى الاجتماعي، هو العنصر الأهم في توسيع سياقات استخدام هذه المفردة، وأن هذا الانتقال والتوسع بدأ مع نهايات القرن الثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر.

واستمر بشكل كبير وواسع حتى منتصف القرن العشرين، حيث تبلورت معظم استخدامات المصطلح لتشمل مئات الفئات التي تضاف لها كلمة الثقافة على غرار الثقافة الجنسية، الثقافة التربوية، الثقافة الاجتماعي، إضافة إلى علم النفس الثقافي...إلخ.

"وقد تأثر الترتيب المادي الكامل لمدنية القرن التاسع عشر، تأثرًا جذريًا بهذا المفهوم عن الثقافة وحراكها كقوة أخلاقية، يمكن من خلالها للأفراد أنّْ يطوروا أنفسهم لتحقيق نوعٍ من الاتزان والكمال..."

يفرد هذا الكتاب اثنتي عشرة صفحةً لهذا المصطلح وحده، يناقش من خلالها التعريفات المختلفة للثقافة، كما يستعرض تطور استخدام المصطلح وخروجه من الاستخدام اللغوي إلى الدلالة الاصطلاحية.

ثم تعديه حدود الفردية، ليصبح سمة اجتماعية تميز فئة عن أخرى من خلال ما تتبعه هذه الفئة من طريقة حياة، وأنماط سلوك عامة. [1]

كتاب الثقافة البدائية

الأنثروبولوجي الإنجليزي إدوارد تايلور (1832 - 1917 Edward burnett tylor)، هو أحد أبرز علماء الأنثروبولوجيا، بل يعتبر من مؤسسيه وهو صاحب كتاب الثقافة البدائية (Primitive culture)، يرى أن الثقافة: [2]

"هي المركب الذي يتكون من المعرفة، والاعتقاد، والفن، والأخلاق، والقانون، والأعراف، إضافة إلى كل الملكات الأخرى، والعادات التي يكتسبها الإنسان من حيث هو عضو في المجتمع".  [3]

كتاب تاريخ الثقافة العالمية

تشيكالوف (Chekalov) وكوندراشوف (kundrashuf) في كتابهما (تاريخ الثقافة العالمية) عام 2011 توصلا بعد استعراض عدة آراء لعلماء بارزين إلى أن الثقافة لها منهج محدد.

ويقوم على ثلاثة عناصر أساسية أولها السلوك (بناء على تعريف تايلور السابق)، وثانيها الاستمرارية، وآخرها التراكم، حيث إن الثقافة لا تنتهي بمجرد إنتاج أحد وجوهها، بل لا بد من عملية تراكمية: [4]

"بصفة عامة يمكننا القول أن مفهوم الثقافة يتضمن منهج السلوك، والاستمرارية، والتراكم، إذن يمكن القول أن الثقافة تفترض نقلًا غير جيني للخبرة من فرد لآخر، ويجب أن تكون هذه الخبرة مثبتة في بنى مادي، غير بيولوجي، على غرار الكتب والرسوم...إلخ". [5]

من هو المثقف

مما سبق؛ يمكن رصد تطور المصطلح (الثقافة، المثقف) من خلال نقطة تحول أساسية تتمثل في توسع استخدام المصطلح من استخداماته الفردية إلى استخداماته العامة، لكن ما الذي نقصده بالقول أن فلانًا مثقف؟

الثقافة ترتبط بالمعرفة

ترتبط صفة المثقف بالمعرفة، حيث يُعتبر كل العاملين في الشؤون المعرفية من الطبقة المثقفة، كالكتاب، الشعراء، المخرجين والممثلين.

كما نجد أن هذه الصفة تكسب صاحبها احترامًا اجتماعيًا، حيث تعتبر الطبقة المثقفة مسؤولةً بشكلٍ مباشر عن المساهمة في تطوير الثقافة العامة في المجتمع، وتحمل على عاتقها الهموم الاجتماعية للناس المعيشية منها، والسياسية والدينية...إلخ. [6]

مسؤولية المثقف نحو المجتمع

كما سيحاسب المجتمع المثقف في حال تقاعسه أو اتخاذه موقفًا لا يتسق مع مواقفه السابقة؛ لأن المجتمع ينظر إلى المثقف كمدافع عنه وحافظٍ لوجوده الحضاري، بينما لا يحفل الناس بتغير مواقف السياسيين.

لأن هذا هو عملهم ولا بد من الإشارة إلى أن الثقافة على المستوى الفردي لا ترتبط بالشهرة أو الإنتاج الإبداعي، بل ترتبط بالمعرفة، حيث إن الإلمام بمواضيع عديدة سيجعل من الفرد مثقفاً حتى وإن لم يقدم منتجًا. [7]

إذًا... المؤلفات المذكورة سابقًا والتي تعتبر من أبرز المؤلفات التي ناقشت مفهوم الثقافة، تقدم صورة واضحة نسبيًا عن حقيقة مفهوم الثقافة وعن الاستخدامات الاصطلاحية للكلمة. [6]

الثقافة والمجتمع

كما ذكرنا؛ فإن انتقال المصطلح من الاستخدام الفردي إلى الاستخدام الجماعي قد ساهم كثيرًا في تعقيد المصطلح وتشعب دلالاته، حيث إن الثقافة للفرد ترتبط بالمعرفة، لكن الثقافة بالنسبة إلى المجتمع ترتبط بالمميزات الاجتماعية بعيدًا عن كونها معرفية.

حيث يمكن اعتبار العادات والتقاليد كعادات الزواج جزءاً من ثقافة المجتمع، كما يمكن اعتبار أسلوب تعامل المجتمع مع الأجانب دالًا على ثقافته، إضافة إلى المقياس المعرفي كالكتب، التاريخ، الحركة المسرحية أو السينمائية كلها تدخل ضمن المؤشرات الثقافية للمجتمع.

هذا التشعب في الاستخدام الاجتماعي لصفة الثقافة أدى إلى ظهور سياقات كثيرة وتقسيمات عديدة كان أبرزها الثقافات القومية ومثقفو البروليتاريا، إضافة إلى صراع الثقافة الرأسمالية والثقافة الاشتراكية.

فضلًا عن مصطلحات كثيرة كالثقافة الاستهلاكية، ثقافة التسامح وثقافة الإنترنت....إلخ، لكن؛ ما هو دور الثقافة في المجتمع؟ [8]

دور الثقافة في المجتمع

يناقش الباحثون ماهية عمل الثقافة في تطوير المجتمع وتنميته، كما يبحثون عن الدور الذي تلعبه الثقافة في النهضة الحضارية الشاملة لأمة من الأمم. لكن المتفق عليه أن النهضة الثقافية لا يمكن لها أن تُحدث التغيير الذي يرجونه المثقفون أو العامة، إلا إذا ترافقت مع نهضة عامة في مجالات أخرى. [9]

شمولية النهضة الثقافية

حيث لا يمكن الفصل بين النهضة الثقافية، النهضة الأخلاقية، النهضة الاقتصادية، النهضة العسكرية والاجتماعية، بل تعتبر الثقافة محصلةً لكل أوجه النهضة تلك.

لكن لا يمكن اعتبارها مقياسًا مستقلًا للتقدم أو التحضر، حيث إنها في حال تقهقر الأمة في المجالات الباقية لا تعدو كونها إنتاجات فريدة ينسبها المجتمع إلى نفسه ليتمكن من التصالح مع تخلفه في مجالات أخرى.

أما النهضة الثقافية الجماعية تكون مترافقة مع نهضة عامة في كل المجالات، كما أن مجالًا قد يسبق الآخر ببضع خطوات، لكن خط السير واحد، ومن هنا نستطيع أن ننفي الدور المبالغ فيه للثقافة والمثقفين في صناعة التقدم منفردين، دون أن يكون هناك بنية نهضوية متكاملة.

من جانب آخر، فإن نمو الوعي التاريخي لدى الإنسان خاصة مع نهايات القرن السابع عشر أدى إلى الرغبة بالتعرف على الثقافات المختلفة كما أنتج هذا الوعي الفكرة السائدة التي تقول:

"إن البشرية جمعاء، كانت تخضع (وما تزال) لعملية تربية، وتثقيف، شبيهة بالتي يخضع لها الفرد في حياته".

أي أن المكتسبات الثقافية للإنسانية كلها هي مكتسبات تراكمية تؤدي إلى تغير وعي الجماعة البشرية كلها في بعض الأمور حسب مجريات التاريخ.

ويمكن تتبع ردة فعل المجتمع الياباني بعد تعرضه لكارثة القنبلة النووية، حيث تغيرت وجهة نظر شعب كامل في الحياة نتيجة تعرضه لصدمة حضارية. [1]

المعنى اللغوي لكلمة ثقافة

وفيما يأتي نتعرف بشكل معمق على المعنى اللغوي لكلمة ثقافة:

تعريف الثقافة في معجم مختار الصحاح

في معجم مختار الصحاح لأبي بكرٍ الرازي نجد كلمة (ثَقُفَ) بمعنى صار حاذقًا خفيفًا، فهو ثَقْفٌ على غرار ضَخُمَ، فهو ضَخْمٌ، وثَقِفَ الأمر، أي فهم مقاصده، كما يقال (تَثقيفُ الرماح) أي تسوية رؤوسها. [10]

الثقافة في القرآن الكريم

أما في قوله تعالى في سورة البقرة: "واقتلوهم حيث ثقفتموهم" بمعنى حيث وجدتموهم أو عرفتموهم؛ فالكلمة في العربية تعني المعرفة والتبصر، كما لا تدل على نوعية هذه المعرفة أو مصادر استقائها، إنما هي المعرفة كيفما جاءت. 

حيث يعتبر المعنى الفضفاض لكلمة (ثَقافة) من العناصر التي ساهمت في تعقيد المصطلح وتعدد دلالاته لنجد أنفسنا أمام مئات التعاريف لذات المصطلح، تتفق فيما بينها في بعض النقاط، وتختلف في نقاط أخرى. [11]

الثقافة باللغة الإنجليزية

أما الكلمة المقابلة في اللغة الإنجليزية هي (Culture) وفق قاموس أوكسفورد (Oxford dictionary)، تعبر الكلمة عن كل مظاهر الإنجاز الفكري البشري مجتمعةً. [12]

بمعنى آخر، تمثل الثقافة الجانب غير المادي من الحضارة الإنسانية، كما تمتد جذور الكلمة إلى اللاتينية لتعبر عن التهذيب والاعتناء، كما تشمل النمو والتطور. حيث إن الكلمة (Culture) ما زالت تستخدم للدلالة على الرعاية بالنباتات وعملية الاستنبات، إضافة إلى الدلالة على تطور الأحياء المجهرية ونمو الأنسجة النباتية والحيوانية.

الثقافة كلمة متفق عليها في اللغة، لكنها كمصطلح من أكثر المصطلحات إثارة للجدل والخلافات بين الباحثين اللغة والأنثروبولوجيا، وكل باحث أو مؤرخ أو كاتب قام بتعريف الثقافة بحسب ما يفكر هو بنفسه وبحسب ما يظنه، ولكن بشكل عام تبقى الثقافة بمعناها العام معروفة لدى الجميع وبالأخص ثقافتنا العربية التي استمدت أسسها وجذورها من أجدادنا، بالرغم من أنها باتت حاليًا أكثر انفتاحًا.

أخيراً... لا يمكن إنكار دور الثقافة والمثقفين في بناء وتطوير الوعي العام للمجتمعات، لكن في نفس الوقت لا يجب تحميلهم أكثر مما يحتملون، إذ لكل فرد في المجتمع دوره التوعوي والهام في نشر الثقافة بشكلها الإيجابي والصحيح، ولن يجوز ترك الثقافة على عاتق مجموعة واحدة أو فئة معينة من الأشخاص، بل جميعنا مسؤول عن نشر ثقافتنا العربية الصحيحة بوجهها الحقيقي السمح.

حيث إن الجهود الرامية إلى التقدم هي جهود جماعية، يحمل مسؤوليتها المثقف، السياسي، التاجر، العمال، أرباب العمل وكل أفراد المجتمع لتأتي المنتجات الثقافية كتعبير عن تلك النهضة التي أحدثها المجتمع في بنيته، وبهذا نكون قد سردنا بشكل سريع ما هي الثقافة، وما أهميتها وتأثيراتها في المجتمع؟

ليالينا الآن على واتس آب! تابعونا لآخر الأخبار