أثر وفاة الأب على الأطفال

  • بواسطة: بابونج تاريخ النشر: الأحد، 24 نوفمبر 2019 آخر تحديث: الجمعة، 21 يونيو 2024
أثر وفاة الأب على الأطفال

تختلف طريقة تعامل الأطفال والمراهقين مع الحزن، عن طريقة الكبار في تقبل الحزن، خاصة عندما يتعلق هذا الحزن بفقدان أحد الأحبَّة، حيث يُعتبر فقدان أحد الوالدين في سنٍ مبكرة، أمراً يجب التعامل معه بطريقة استثنائية، ليتمكن الطفل أو المراهق من تخطي هذه المرحلة بسلام، والاستمرار في حياته بشكل طبيعي.

تختلف طبيعة الحزن على فقدان الأب تبعاً لعمر الفقيد

بالدرجة الأولى، يمكن اعتبار فهم طبيعة الحياة والموت، عامل أساسي في التعامل مع الفقدان بشكل عام، حيث يتمتع الراشدون في أغلب الأحيان، بقدرة على فهم وجود الموت من منطلق أنَّه حدث لا بد منه، لا يرتبط بعمر، أو نوع، أو جنس، في حين تختلف قدرة الكبار على تقبل فقدان الأب، نتيجة اختلاف فهمهم للموت والحياة، وباختلاف مدى صلتهم مع والدهم.

لكن في حالة الأطفال الصغار والمراهقين لا تكون الصلة مع الأب محكومة بالمنطق (كما هو الأمر عند الكبار)، بل تكون العاطفة غالبة على ارتباطهم بالأب، ومن جهة ثانية، لا يكون الصغار قد تمكنوا بعد، من تشكيل وجهة نظر واضحة تجاه الموت، وغالباً ما يرتبط الموت عندهم بالتقدم في السن، فيعتقدون أن الكبار جداً هم من يموتون، وهذا أحد أسباب الصدمة، عندما يموت الأب قبل أن يصبح عجوزاً.

فالحزن عند الكبار، يعتبر مرحلةً يمكن التعامل معها بسهولة أغلب الأحيان، خاصةً مع وجود حياة أخرى، منفصلةٍ عن حياة الأسرة الأصلية، بينما يعتبر الحزن عند الأطفال والمراهقين عند رحيل الأب صدمةً نفسية، وفكرية، ووجودية.

الحزن على فقدان الأب عند الذكور والإناث

يمكن تفسير علاقة الأب بأبنائه من خلال فهم طبيعة عقدة أوديب، وعقدة إلكترا، حيث يرى فرويد، أن الأطفال يرتبطون عاطفياً في سنٍ مبكر بالوالد المغاير لهم من حيث النوع، فأوديب يرتبط بوالدته، وإلكترا ترتبط بوالدها، ويكون هذا الارتباط قريباً من الارتباط العاطفي الذي يجمع الكبار ببعضهم، من حيث شدته والتعبير عنه.

لكن هل يعني هذا أن الذكور لا يواجهون مشاكل بعد فقدان الأب، من منطلق أن ارتباطهم بالأم؟ بالتأكيد لا؛ لكن نظرة الإناث إلى الأب، تختلف عن نظرة الذكور، لنقل أنَّها تكون أكثر عقلانية، حيث يشكِّل رحيل الأب فراغاً عاطفياً لدى الإناث، يؤدي إلى حزنٍ عميق وشعور بالوحدة، بينما يؤثر على الذكور من منطلق غياب القوة والسلطة، حيث يشعر الأطفال والمراهقون الذكور أنَّ مصدر القوة، ومصدر الرفاهية (الدخل)، والمثل الأعلى قد رحل.

ومن هنا يمكن القول، إن الحزن على فقدان الأب لدى الذكور والإناث في سنوات الطفولة والمراهقة لا يختلف كثيراً من حيث شدته، بل يختلف لاختلاف أسبابه، وبالتالي ستختلف طريقة التعامل معه.

ينتاب الأبناء حالة من الحزن الشديد بعد فقدان الأب

للأسباب التي ذكرناها سابقاً لا يرتبط حزن الإناث على فقدان الوالد بمرحلة عمرية (في الحالة الطبيعية)، بل ستواجه الأنثى حزناً عميقاً على رحيل والدها حتى لو كانت في الخمسين من عمرها، لكن؛ قدرتها على تجاوز هذا الحزن في المراحل العمرية المبكرة، هي ما تجعل الاهتمام ينصب على سنين الطفولة والمراهقة، لكن لماذا الإناث أشد تأثراً بفقدان الأب؟

مشاعر الأنثى اليتيمة وتأثير فقدان الأب على حياتها

تبدأ عقدة إلكترا بين السنة الثالثة والخامسة، وغالباً ما تنحسر في وقت ما عند بداية المراهقة أو قبل ذلك، لكنها غالباً مع تختفي بشكل شبه كامل أثناء المراهقة، وإلا تتحول إلى اضطراب نفسي يحتاج إلى علاج متخصص، لكن حتى في الحالة الطبيعية، وبعد الخروج من عقدة إلكترا، تبقى آثارها واضحة على علاقة الأنثى بوالدها، ما يجعل فقدانه صدمةً عاطفية كبيرة، تكون مضاعفة قبل الخروج من عقدة إلكترا، حيث تمتزج عدة مشاعر حزينة في آن معاً، أولها الحزن العام الذي ينتج عن الفقدان لدى الجميع، ثم الانكسار العاطفي نتيجة رحيل الأب، والشعور بفقدان مصدر الحنان والإلهام.

كتبت باميلا توماس (Pamela Thomas) كتاباً عن تأثيرات فقدان الأب على الإناث، وحمل الكتاب عنوان (The Face of Father loss)، رصدت من خلاله عدة انعكاسات مباشرة، وبعيدة الأمد لفقدان الأب على حياة الإناث، حيث ترى توماس أن فقدان الأب سيترك أثراً عميقاً في نفس الأنثى، سواء كانت علاقتهما جيدة، أم سيئة.

وتلاحظ الكاتبة، أنَّ مشاعر الأنثى في حالة فقدان الأب، تشبه مشاعر المرأة في حالة الهجر، بل أن الإناث اليتيمات، يتولد لديهن خوف دائم من الهجر في أغلب الأحيان، وتشير توماس إلى حالة التحفيز التي يخلقها فقدان الأب عند الأنثى، وتستدل على ذلك بأنَّ أغلب النساء المبدعات تعرضن لفقدان الأب في فترة مبكرة، وسنأتي على ذكر كيفية التعامل مع الأطفال والمراهقين في حالة الفقدان هذه في فقرة مستقلة.

مشاعر الذكر اليتيم بعد فقدان الأب

أقل حدةً، خاصة في المراحل المتقدمة من العمر، لكن على العموم، يشعر الأطفال ذكوراً وإناثاً بحالة من الخطر بعد فقدان الأب وبانعدام الأمان، وغالباً ما يشكل غياب مصدر الدخل الرئيسي ضغطاً خفياً، يدركه الأطفال دون أن يعرفوه، من جهة ثانية، يمثل غياب السلطة الناظمة للمنزل، صدمة نفسية للطفل الذكر، وتتجلى هذه الصدمة، عند محاولة الأم أو الأقارب أو زوج الأم أخذ مكان الأب، من حيث السلطة والتربية.

حيث يستنتج فيرمان وبارتون (Dave Veerman and Bruce Barton) في كتابهما الذي حمل عنوان (When Your Father Dies)، أن وجود الذكر في موقع القيادة مستقبلاً، يخفف من آثار فقدان الأب، ويساعد الذكور على تجاوز حزنهم، لكن الكاتبين أكَّدا على أن أغلب الذين فقدوا آباءهم في مرحلة مبكرة، يعانون من عدة اضطرابات واضحة، وعموماً، يكون حزن الذكور الكبار أقل عمقاً من حزن الإناث، فيما يتقارب هذا الحزن في المراحل العمرية المبكرة، للأسباب التي ذكرناها سابقاً، مع وجود هوامش للحالات الفردية الخاصة.

كيفية التعامل مع الأطفال والمراهقين بعد موت الأب

لا يوجد تعويذة سحرية، تنزع الحزن من قلوب الأطفال والمراهقين لكن يمكن مساعدتهم، وعلى الأمد الطويل، ليتجاوزوا حزنهم، ويتفادوا آثاره التي من الممكن أن تتحكم بمستقبلهم، كما يجب الأخذ بعين الاعتبار الظروف المحيطة بوفاة الأب، فلا يمكن التعامل مع الطفل الذي توفي والده نتيجة سكتة دماغية.

كما يتم التعامل مع المراهق الذي شاهد أباه على التلفاز مصاباً بطلق ناري في إحدى الحروب، فالأخيرة أزمة مركبة، لا ترتبط بفقدان الأب فقط، بقدر ما ترتبط بصدمة وجودية وعاطفية كبيرة، تحتاج إلى عناية خاصة، ومتابعة نفسية متخصصة، فإذا كانت ظروف فقدان الأب، غير طبيعية، أو تحمل أي تفاصيل قد تكون غير اعتيادية، لا بد من مراجعة الاستشاري النفسي، وعدم الاعتماد على النصائح المجانية، لأن الطفل أو المراهق في هذه الحالات، سيحتاج إلى تشخيص دقيق لحزنه، وطرق فعالة للتعامل معه، وغالباً ما تكون طويلة الأمد.

نصائح للتعامل مع الأطفال والمراهقين بعد موت الأب

  • يمكن للمختص النفسي، أن يقدم المعونة الكبيرة في مثل هذه الحالات، خاصة الاستثنائية منها.
  • الطفل أو المراهق، كما ذكرنا يجب أن يشعر بالاستقرار والأمان، يجب تطمينه بخصوص الجوانب التي تثير حفيظته، مثل الجانب المادي والجانب العاطفي، كما يجب التعامل مع غضبه المتصاعد بحكمة.
  • الأقارب، إما أن يلعبوا دوراً إيجابياً في مساعدة الأطفال على الخروج من محنتهم، وإما أن يلعبوا دوراً مدمراً، حيث يجب تجنيب الأطفال والمراهقين العبارات التي يحفظها الأقارب، ويقولونها في كل مناسبة، على غرار؛ "لقد فقدت سندك في الحياة"، "من سيرعاكم الآن... يا حسرة!!"، هذه العبارات مدمرة للأطفال والمراهقين، إنها تأكيد على هواجسهم ومخاوفهم، وتعميق لحزنهم، لذلك يجب على الأمِّ أن تكون حذرة في مثل هذه الحالة، وأن تمنع الأقارب من استخدام أي عبارات مؤذية.
  • تماسك الأمِّ وصمودها من أجل أطفالها أمرٌ جوهري، حيث سيستمد الأطفال والمراهقون القدرة من والدتهم على مجابهة الحزن.
  • لا يجب منع الأطفال، أو المراهقين من التعبير عن حزنهم، الحديث عن الحزن والبوح بالمشاعر سيساعدهم على تجاوز هذه المحنة، ويجب مساعدتهم على البوح إن كانوا يكتمون مشاعرهم.
  • ومن بين النقاط الحساسة في هذا المرحلة، هي طريقة ذكر الأب، حيث قد تجرِّح بعض الأمَّهات بأزواجهن بعد الوفاة، أو يقوم بعض الأقارب والمعارف، بذكر الصفات السلبية للمتوفى، ولهذا أثر سيء على الصحة النفسية للأطفال، لذلك حافظي أيتها الأمّ على ذكر طيب لزوجكِ، وتناسي المشكلات القديمة، فالرجل مات، وأطفالك أمامهم حياة طويلة ليعيشوها، ساعديهم أن تكون حياتهم طبيعية.
  • زواج الأم بعد وفاة الأب، من الأمور التي تشغل بال الأطفال، ويجب أن تكون الأم صريحة مع أبنائها بهذا الخصوص، فإذا كان الزواج أمراً وارداً في بالها، يجب أن تؤمن رضا الأطفال قبل الإقدام على هذه الخطوة، كما يفضل أن تبنى علاقة طيبة مع الزوج المستقبلي قبل الزواج، في فترة الخطوبة مثلاً، ستكون كفيلة بإزاحة مخاوف الأطفال والمراهقين، أما إن لم تكن الأم تفكر بالزواج، أيضاً يجب أن تطمئن أبناءها، كي لا تتركهم فريسة للخيال والهواجس.
  • إن الحزن أمر فردي، حيث لا يتشابه في الدنيا حزنان، وإن كانا في نفس المنزل، ولنفس السبب، لذلك يجب على الأم والأقارب، التعامل مع كل طفل على حدة، لأن كل منهم لديه أفكاره ومخاوفه، التي قد تختلف عن الآخر.
  • الحزن تربة خصبة لظهور بعض العادات السيئة، مثل نوبات الغضب عند الأطفال أو الانعزال، إضافة إلى التدخين عند المراهقين، وربما ما هو أكثر من ذلك، فلا بد أن تكون العين مفتوحة على هذه الأمور، لكن الرقابة الفجة تدعو لتأزم الأمور أكثر، يجب أن تكون الرقابة حكيمة وخفية، كما نشدد على ضرورة استشارة المختص النفسي في هذه الحالات.

ختاماً... تتحمل الأمُّ مسؤولية كبيرة بعد فقدان الأب، لكن للأسف أنَّها لن تستطيع التفرغ لحزنها، وإلا خسرت أطفالها، بل يجب أن تكون قادرةً على تأمين البدائل المادية والعاطفية لهم، وتتحمل مسؤولية تربيتهم منفردةً، أو بمشاركة مع الأقارب، وربما بعد زواجٍ جديد، لكن لا يمكن أن تنسى الأم ضرورة الاعتناء بالأطفال بطريقة خاصة على الأمد الطويل، فهذا الحزن لن ينتهي فوراً، كما أنَّه قد يترك آثاراً سلبية على الأطفال، ترافقهم إلى عائلاتهم المستقبلية.

ليالينا الآن على واتس آب! تابعونا لآخر الأخبار